تعتز حلب الشهباء قبل غيرها برعاية هذا القديس لأبنائها،ففي قلعة حلب الأثرية نجد على أحد الجدران وفي بعض الغرف مقاما هاما للخضر ( وهو القديس جاورجيوس).ويشيع بكثرة بين الحلبيين تسمية أولادهم بإسمه فهو الأكثر شيوعا فجورج وجرجي وجورجيت وجرجس وجاورجيوس ويوركي وخضر وفارس …كلها مرادفة لاسمه،وينذرون أطفالهم له ،ويقدمون الغالي والنفيس في سبيل تكريم قديسهم المحبوب.
لهذا فحين اعترفت السلطنة العثمانية سنة 1830 بكيان الطائفة الرومية الملكية المستقلة عن الطائفة الأرثوذكسية واستطاع أبناء الطائفة بما نالوا من حرية أن يشيدوا كنائس خاصة بهم، أقاموا أول ما أقاموا معبداً للقديس “جاورجيوس” في دار قديمة تابعة لوقف فقراء الطائفة في حي الشرعسوس، وكانت هذه أول كنائسنا الرسمية في “حلب” منذ أمدِ بعيد .
إن أقدم وثيقة تأتي على ذكر “كنيسة القديس جاورجيوس” في “الشرعسوس” هي عبارة مُسَطَّرَة على إنجيل محفوظ في دار السيد “جوزيف شرقي” في “حلب” مفادها أن “كنيسة القديس جاورجيوس” في الشرعسوس فتحت للعبادة سنة 1835. وقد خُصص بها إكرام القديس جاورجيوس .
وفي سنة 1849 قامت الأعمال لتوسيع الكنيسة وتحسين هندستها الداخلية، كما وجدنا في الرسائل التي بعث بها الخوري “يوسف حاتم” إلى البطريرك “مكسيموس مظلوم”وإلى وكيله في إسطنبول السيد يوسف حجار يطلب فيها التدخل لحل بعض المشكلات الإدارية التي كانت تعترض سير الأعمال آنذاك.وقبل الإنتهاء منها امتدت اليها أحداث الشغب التي أُثيرت في مدينة حلب سنة 1850 فيما يُعرف باسم “قومة حلب” حيث اندلعت النيران في الكنيسة، ولكن ما لبثت أن قامت فيها أعمال ترميم بإيعاز من السلطان “عبد المجيد خان” سنة 1852 كما يُسْتدل من اللوحة الرخامية المعلقة على الباب الشمالي للكنيسة، وقد جاء فيها “قد ترممت هذه الكنيسة بعد حريقها بأمر ملكنا المعظم السلطان عبد المجيد خان حفظه الرحمن في رئاسة المطران كير ديمتريوس انطاكي سنة 1852 مسيحية. (وهذه اللوحة لم تزل فوق الباب الشمالي من كنيسة الشرعسوس ولم تنقل مع مانقل من الكنيسة القديمة إلى الكنيسة الجديدة في السليمانية).
وبالنسبة للبناء الهندسي للكنيسة : لقد زادت مساحة الكنيسة بعد الترميم 10 أذرع طولاً و5 أذرع عرضاً، وهي لاتطل على الشارع كما كانت العادة إبان الحكم العثماني بأن لاتطل الكنائس على شوارع رئيسية،وهي متوجهة نحو الشرق كالكنائس الشرقية منذ قديم الزمان، إلا أن مدخلها الرئيسي هو من جهة الشمال . والإيقونستاس (حامل الأيقونات) فيها من الموازييك الأحمر والأصفر والأسود المرصع بالأبيض، وهو رائعة من روائع الفن الهندسي المحلي .إلا أن مركز الكنيسة هو محراب القديس جاورجيوس الحاوي على أيقونته المقدسة يتوسط الجدار الجنوبي بمواجهة المدخل الرئيسي للكنيسة.
كانت كنيسة مارجرجس في الشرعسوس هي الكنيسة الرعوية للقسم الشرقي من المدينة ، أما القسم الغربي منها فكان في رعاية الكنيسة الكاتدرائية في حي الصليبة في الجديدة. ولكن ماعتمت أن أضحت كنيسة القديس جاورجيوس أكثر من دار للعبادة بل أصبحت مزارا هاما يؤمه المؤمنون من شتى أطراف البلد ، ومن جميع الملل والأديان.
ويروي سكان حي الشرعسوس قصة ما زالت متداولة بين عامة الناس بأن العثمانيين احتلوا الكنيسة ابان الحرب العالمية الأولى (1914-1918 ) مع جميع كنائس حلب أيضا وحولوها إلى ثكنات عسكرية ومستودعات، ولكنهم أخلوا كنيسة القديس جاورجيوس بسرعة قصوى وأعيدت إلى الطائفة بعد شهر واحد من الإستيلاء عليها ، وأضحت طوال مدة الحرب الكنيسة الوحيدة التي كانت تقام فيها الإحتفالات الدينية والطقوس الكنسية والقداديس اليومية . وكان يقال أن الجنود الأتراك حين احتلوا الكنيسة ماكانوا يستطيعون النوم داخل الكنيسة بسبب أصوات طرق حوافر حصان على السطح، فذهبوا إلى مطران الطائفة في ذاك الوقت ليسألوه عن هذه الأصوات فأجابهم بأنها أصوات القديس جاورجيوس (الخضر عليه السلام) مع حصانه وهو متضايق لأنكم احتليتم كنيسته ..والخضر مامعو لعبة !!.. فخافوا من “انتقام الخضر” وأعادوا الكنيسة إلى أصحابها وسمحوا بفتحها للعبادة.
كما أصبحت مدرسة مارجرجس في الشرعسوس من أهم المدارس وتخرجت منها أجيال بِرُمتها قبل أن تُفتتح ” المدرسة الكبيرة ” ( مدرسة القديس نيقولاوس )لأبناء البلد في الطرف الغربي والتي حازت هي الأخرى على سمعة حسنة في تثقيف النشء الصاعد وتربيته التربية الفاضلة . ثم انقلبت إلى ” مدرسة التعاون ” منذ عام 1967.