كلمة الراعي

طيور السماء

لا تهتموا قائلين، ماذا نأكل، أو ماذا نشرب، أو ماذا نلبس. فإن هذا كله تطلبه الأمم، و أبوكم السماوي يعلم أنكم بحاجة إلى هذا كله. بل اطلبوا أولا ملكوت الله وبره ، وهذا كله يعطى ويزاد لكم “. هذا ما أوصانا به المعلم الإلهي بعد أن ذكرنا بعطف الله اللامحدود وعنايته الفائقة بخلقه إذ أن ” طيور السماء عينها، لا تزرع ولا تحصد ولا تجمع في الأهراء، وأبوكم يقوتها. أفلستم أنتم أفضل منها؟”. (متى ٦: ٢٦)

لربما يسهى بعضنا عن هذه الوصية التي أعطانا المخلص والتي فيها أساس الحكمة والخير الكبير، فمن خلالها نتفهم معاني الحياة في أعماقها وفي رحابها يطمئن قلب كل واحد منا، نحن المؤمنين بعنايته الإلهية. ففي هذه الأيام العصيبة غالبا ما نرى القلق يعترض خاطرنا والهم يقض مضاجعنا، كونه غاب عن أذهاننا حضور الرب في حياتنا ومحبته الفائقة لنا. ولربما هذا الحضور الإلهي هو أول ما يتوجب علينا، نحن أبناءه، أن نضعه نصب أعيننا صبيحة كل يوم عند تلاوة الصلاة الربيّة والتي لقننا إياها المعلم، وقد علمنا فيها أن نطلب إلى الله خبزنا اليومي. وإن نحن تعقلنا واكتفينا بما نحتاج إليه لنشبع ونرتاح، دون طمع أو جشع، فهو لن يحجب عنا نعمته السخية التي نجد فيها، أول ما نجد، كنز القناعة: مصدر الرضى و معين السعادة وكل هناء .

إن الكنيسة إذ تدعو المؤمنين للعودة إلى تعاليم الرب يسوع، التي نجد فيها الوعي والنجاة من جهل فاقدي الحكمة من أهل هذه الدنيا، الفانية فناء زنابق الحقول، ترى في الوقت عينه انه يتوجب عليها هي أيضاً أن تلتزم بوصاياه، ولا سيما وصية الرحمة والمحبة التي وضعها المعلم الإلهي فوق كل اعتبار. ومن هذا المنطلق هي تسعى جاهدة للوقوف إلى جانب المحتاجين من أبنائها، لمساندتهم في هذه الظروف الاستثنائية الصعبة، حيث يعانون من وطئة قساوة الأوضاع المعيشية متألمين.

ولذلك ترانا نعمل بجد ودون هوادة على دعم من حولنا من الناس قدر الإمكان وبما يتيسر لنا، متكلين في ذلك على عنايته تعالى وأريحية المحسنين، ساعين بكل إخلاص و روية إلى إيصال المساعدة ” الآنية المؤقتة” إلى مستحقيها، مم ساءت أحوالهم جراء التضخم غير المسبوق الذي ضرب بلادنا بعد الحرب. ونحن إذ نتكلم عن “مساعدة آنية”، فلذلك لكوننا، ولا نرضى بشكل من الأشكال، أن نرى أبناءنا ولا سيما الشبان منهم والبالغين والأصحاء، ينزلقون في منحدر الاتكالية فيتحولون تدريجياً ، لا سمح الله، إلى متسولين ينتظرون الحسنة  ولا يعتمدون في عيشهم على عرق جبينهم وعمل أيديهم. وعليه فإننا قد أوعزنا إلى معاونينا أن يحطاطوا ويتصرفوا بحكمة وروية عند قيامهم بعملهم الاغاثي، كي تأتي مساعداتهم للمحتاجين في مكانها ووفق مقتضيات الساعة، مبتغين العون الاغاثي للمعوزين والمحرومين، ساعين إلى الفائدة المستدامة للقادرين على العمل، من خلال دعم مادي مناسب، يقدمونه للراغبين في تطوير أوضاعهم المعيشية بالعمل والإنتاج.

وبناء عليه، فإن المساعدات التي نود أن نقدمها سوف تتنوع لتأخذ أشكالاً متعددة، فمنها الغذائية ومنها الإغاثية ومنها الدراسية والتعليمية والتدريبة ومنها الاستشفائية ومنها السكنية ومنها المهنية ورعاية الأمومة ومنها الاهتمام بالأرامل والمسنين واليتامى، وذلك وفق معايير الضرورة والحاجة الماسة لكل أسرة أو فرد يلجأ إلينا. وبطبيعة الحال فإن هذا التنوع من شأنه أن يقدم العون المناسب، في مجال أو بآخر، لكل محتاج وفق أولوياته وبما يساعده على اجتياز هذه المحنة القاسية بسلام. ونأمل أن نتمكن من تقديم الدعم المناسب المتيسر بطريقة مجدية ومفيدة لأكبر عدد ممكن من أبنائنا، آملين أن نراهم يجتهدون هم أيضاً ساعين بكدهم ونشاطهم نحو الأفضل المأمول، والله الرحمن الرحيم، مصدر كل خير وبركة ولي التوفيق.

حلب في ٢٠تموز ٢٠٢٠                

        +المطران يوحنا جنبرت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى