في الله
غالبا ما نسمع أشخاصا مُتعقِّلين في تصرفاتهم، يتلافون الخصام والمماحكات والتصادم مع من حولهم، ويلجؤون إلى عدل الله، عندما تمتهن كرامتهم أو تنتهك حقوقهم، قائلين :”في الله”، متكلين هكذا على عنايته تعالى لترتيب شأن مظلوميتهم بإحقاق العدل وتسوية الاعوجاج الذي يعكر صفاء عيشهم.
والحق يقال إن في هاتين الكلمتين “في الله”، بلاغةً في تعبير إيمان الإنسان بخالقه القدير، وحكمة في التعاطي مع المعتدين والمتسلطين، وحافزاً على الرحمة بالفقراء والمحتاجين وتنبيهاً إلى ضرورة إنصاف المظلومين وواجب احترام الضعفاء وعدم المساس بكرامتهم، العزيزة عليهم والغالية على قلب الرب يسوع، سيد الخليقة وأمير الصدق والمحبة ومنجد اللاجئين بإيمان إلى عدل رحمته.
غالبا ما راودت ذهني ثم صدرت عن لساني، هاتان الكلمتان، في ما مضى من أيام حياتي، حيث كنت ألجأ عند معاكسات الأشرار إلى العدل الإلهي قائلا :”في الله”، متكلاً على عدله وقدرته التي لا حد لها، أمام مظلومية تحملتها صاغراً من عدو أرعن طاغية، مُتعِّوزاً بالله من شره، أو أمام سوء معاملة قريب، أخطأ في تصرفه معي، متهماً إياي بهتانا، جاهلا كان هذا الصديق ام ظالماً، مما كان يجعلني ألجأ إلى عدل الله، واضعاً بين يديه قضيتي ومتلافياً بذلك ضغائن وخلافات، من شأنها أن تقوض أركان السلم الأسري، ورتابة العيش بين الإخوة في البيئة المجتمعية الواحدة.
ولربما أعود اليوم لأعوذ بالله تجاه ما يلحقه بنا المجتمع الدولي بعقوباته من ظلم وأذيّة قائلا مرة أخرى: “في الله” وهو السميع المجيب والرحمن الرحيم.
أعوذ بالله و أقول “في الله” أمام ما أراه من أذيّة تلحق بأبناء شعبنا الممتحن.
أعوذ بالله وأقول اليوم “في الله” أمام الاعتداء الإجرامي الذي راح ضحيته الشيخ الوقور “محمد عدنان الأفيوني” رحمة الله عليه، كما كنت أردد في كل مرة يقع فيه اعتداء إرهابي على أحد رجال الدين المسالمين الأبرياء، من مسلمين أو مسيحيين.
أعوذ بالله وأقول “في الله”، عندما أرى الأشرار يحرقون محاصيل الفلاحين الزراعية، ويحرمون المواطنين والمساكين من الخبز والغذاء.
أعوذ بالله وأقول “في الله”، عندما أرى أشجار حقولنا المثمرة وغابات جبالنا العامرة تحترق بفعل الغاصبين والمعتدين فتحرم الكادحين من ثمار أتعابهم والوطن من غنى ثرواته.
أردد وأقول “في الله” كل مرة أرى فيها المواطنين يصطفون أرتالاً، مستعطين ربطات الخبز وجرر الغاز وصفائح الوقود.
أثور وانتفض، لأقول عاليا في وجه المتسلطين: “في الله”، عندما أعاين مظالم العقوبات العاتية المفروضة علينا وتداعيات ” قانون قيصر “على معيشة أبنائنا الأبرياء.
أقول وأردد مع كل المعذبين “في الله”، واثقا بأن خالق الكون وفادي البشر لا ينسى شعبه وهو المدافع عنه وراعيه، يسمع أنّات المتألمين ودعاء المؤمنين، وهو السميع المجيب.
+ المطران يوحنا جنبرت