في عيد العمّال
الأول من شهر أيار، هو يوم العامل في الكنيسة وعيد القديس يوسف الشفيع. ويحتفِلُ في هذا اليوم عينه العالمُ كلُّه بعيد العمال. إنها لمناسبة مؤاتية تذكّرنا بأهمية العامل ودوره المفصلي في هناءة عيش الأسرة وتماسكها وفي تضافر جهود الأفراد لتمتين عُرى وحدة المجتمع وزيادة الإنتاج وازدهار الإقتصاد وارتفاع شأن الوطن واستقلاله على حد سواء. وهذا في الوقت عينه، يُبيّن بوضوح أهمية ومكانة العمل في حياة الناس وصحة المجتمعات البشرية في كل زمان ومكان .
إنّ العمل هو سُنّة الحياة منذ كان خَلْقٌ على هذه الأرض، “فبعرق جبينك تأكل خبزك” يقول الرب لآدم ولكل ذريته في سفر التكوين. ونحن إذ نطالع الإنجيل المقدس نرى أنّ القديس يوسف، مُعيل الربّ يسوع سيد الكون وفادي البشرية كان عاملا ً في مهنة النجارة ،ولاشك أنّ يسوع نفسه قد عمل في هذه المصلحة، بعد أن أخذها عن مُعيله يوسف الصِدّيق، لكي يعتاش منها من بعده هو وأمه مريم العذراء. وإنْ كان السيد والمعلم الإلهي قد عمل ليأكل من عرق جبينه وتعب يديه، فلا حُجّة لكائن مَن كان يتذرّع بها، لكي يُعفيَ نفسه من النشاط والجهد وتعب الكد والفلاح. ولا يغربّن عن ذهن كل مسيحي أنَّ الرسل بأجمعهم كانوا من العاملين، منهم بمهنة الصيد أو بمهن أخرى وأما بولس فبمهنة حياكة السجاد، وكان يعمل بيديه و” يشتغل بتعب وكد، ليلاً ونهاراً، لكي لا يُثقِل على أحد” كما أقرَّ هو نفسه بذلك في رسالته الثانية إلى التسالونيكيين.(٨:٣)
ونحن اليوم، إذ نهنئ العاملين بعيدهم الكنسي والمدني، لا يَسَعُنا إلا أن نبتهل إلى الله داعين لهم بالصحة والنجاح في مشاغلهم والتوفيق، ومثمنين عطاءاتهم السخيّة للمجتمع ولذويهم ولكل واحد منا، سبق أن استفاد من جودة إنتاجهم وحسن خدماتهم. ولا يخفى على أحد أنّ العامل في بلادنا، يعاني اليوم من ضيقات معيشية خانقة وعوائق وصعوبات شتى، سببتها له هذه الحرب اللعينة التي عطّلت المؤسسات وهدمت المصانع، مسبّبة بطالة قاسية لم يسبق لها مثيل في سورية، وأمام هذه الأَزَمة التي يعاني منها عدد كبير من الرجال المحرومين من العمل، مصدر رزقهم ومعيشة أولادهم، نرى أنه من واجب كل مسؤول وكل مُتموِّل قادرٍ، أن يعمل المستحيل لإعادة الحركة لعجلة الإنتاج، مستثمراً في المشاريع وبشتى الوسائل والسُبل المُجدية، كي يجد العاطلون عن العمل فرصة تُعيدهم إلى الوظيفة التي فيها روح حياتهم وأمان عيالهم.
وبهذه المناسبة، نرى أنه من واجباتنا نحن أيضاً كرعاة مسؤولين، تشجيع شباننا وفتياتنا على السعي لإيجاد عمل يدوي لهم، في أي مهنة مُتاحة كانت، يرون فيها جدوى ونتيجة معقولة، من شأنها أن تشدّ أزْرهم وتُحسِّن أوضاعهم المعيشية، مقوية عزائمهم وناقلة إياهم من اتكالية الطفولة ولا مبالاة المراهقة إلى جِديّة الرجولة والالتزام الواعي.
لا يغيب عن خاطرنا، ولا للحظة واحدة، أننا نواجه في حلب أزمة بطالة معيقة، غير أننا نعلم أنّ ميدان العمالة اليدوية، إنْ في مجالات البناء أو في مختلف المشاغل وورش الخياطة، متيسرة لمن يشاء. كما أنّ معلمي النجارة والصحيّة والحدادة والألمنيوم والكهرباء، غالبا ما يبحثون عن معاونين لهم ولا يجدون. ولذلكَ سعينا جادّين ومنذ سنوات عِدّة إلى تأمين تدريب على العمل لكل من يرغب من الفتيان والفتيات، في المركز المهني التابع لحركة “نبني ونستمر” في برج الأمل، حيث يستطيع أبناؤنا إتقان مهن مفيدة تُؤهّلهم لإيجاد عمل مربح ومُجْدٍ في مختلف هذه الصنعات وغيرها من مجالات العمالة المنتجة.
كما أننا بادرنا إلى الإسراع في إطلاق عدد من المشاريع العمرانية والترميمية في ساحة فرحات ومنطقة الجلاء وضاحية الأسد وغيرها من المناطق، آملين بذلك التخفيف من وطأة البطالة وتأمين بعض فرص عمل لعدد من الراغبين في الإنتاج والفلاح.
ونحن إذ نشجع شبيبتنا على دخول ميادين المهن الحرّة، يحلو لنا أن نذكرهم بأنّ معلمنا وسيدنا احترف النجارة التي درّبه عليها القديس يوسف وليُّ أمره ومربيه منذ أيام الطفولة. كما أننا نعلمهم بأنّ العمل هو مكوِّن أساسي من مكوّنات شخصية الكائن البشري. فلنتضرع طالبين من القديس يوسف في يوم عيده أن يُعلّمنا كيف نهوى العمل ونتقن الصناعة، فنجد فيها الهناء والرزق والعيش الكريم بنعمة الله ورضاه تعالى.
حلب 1 أيار 2020 + المطران يوحنا جنبرت