تاريخ طائفة الروم الملكيين الكاثوليك في حلب (2)
سنخصص هذه المقالة للتحدث عن المطران غريغوريوس شاهيّات وهو أول مطران تمكّن من الإقامة في أبرشيّة حلب كمطران للروم الكاثوليك.
المطران غريغوريوس شاهيّات 1833-1843
نشأته وانتخابه لكرسي حلب:
هو القس بطرس شاهيّات دخل الرهبانية الشويرية سنة 1819 وهو كاهن فانضمّ في الرهبانيّة إلى أخيه الخوري باسيليوس شاهيّات الذي اصبح رئيساً عاماً للرهبانيّة ثم أسقفاً على زحلة خلفاً للمطران أغناطيوس عجوري. مارس القس بطرس شاهيّات الخدمة الكهنوتيّة في مصر ونال فيها تقدير الجميع فرشّحه البابا لاون الثاني عشر ليكون أسقفاً على بيروت لكنه أبعد عن هذا المنصب لصالح المطران أغابيوس رياشي.
ولما قام في حلب فريق يطالب بإنهاء سلطة المطران اغناطيوس عجّوري أسقف زحلة كمدبر رسولي لأبرشية حلب، وحصل انقسام في الآراء ورفعت القضيّة إلى الكرسي الروماني، توجه البابا غريغوريوس السادس عشر إلى البطريرك اغناطيوس قطّان ليعنى باختيار أسقف أصيل لحلب حسب العوائد المرعيّة. ولمّا كان الأكليروس والشعب منقسمين حول ترشيح كاهن من أكليروس الأبرشيّة أجمع الرأي على أن يقع الاختيار هذه المرّة على كاهن من الرهبانيّة الشويريّة. فاجتمع القاصد الرسولي وكهنة حلب واثنا عشر من وجهاء الطائفة وبعد تلاوة براءة البابا ومنشور البطريرك وإقامة الذبيحة الإلهيّة والصلاة رموا القرعة فانتخبوا بالصوت الحي وباتفاق الجميع القس بطرس شاهيّات فاعلنوا نتيجة اقتراعهم لوجهاء الطائفة المجتمعين فوافقوا عليه. ونُظّم صكّ الانتخاب في 25 حزيران 1832 وتمّت السيامة الأسقفيّة في 1 كانون الثاني 1833 في دير الملاك ميخائيل في الزوق بوضع يد البطريرك اغناطيوس قطّان. واتخذ المطران الجديد اسم غريغوريوس وكان قد حصل على براءة شاهانيّة تعترف به بهذا الاسم. ودخل حلب في 31 آذار 1833 ولم يحضر المجمع الانتخابي الذي دعي إليه الأساقفة في 24 آذار – 5 نيسان من السنة المذكورة في دير الشير لانتخاب خلف البطريرك قطان والذي أسفر عن انتخاب البطريرك مكسيموس مظلوم وفوّض شقيقه الرئيس العام ليمثله في المجمع.
ويقول المطران ادلبي: إننا نستغرب هذه السرعة في مغادرة لبنان، (والأساقفة مدعوون للمجمع الانتخابي) لكنّ المطران غريغوريوس شاهيّات لأسباب نجهلها آثر ألا يحضر هذا المجمع، فتوجّه إلى حلب. وفي مجمع عين تراز الشهير المنعقد سنة 1835، لم يحضر كذلك المطران غريغوريوس شاهيّات بل أوفد إليه شقيقه باسيليوس شاهيّات مطران زحلة، ويبدو لنا من سياق الأحداث والتوتّر الذي ظلّ قائماً بين البطريرك مكسيموس مظلوم والمطران غريغوريوس شاهيّات أن هذا كان ينتمي للتيار الموالي للمرسلين والمعارِض لمكسيموس مظلوم لدى انتخابه لأبرشيّة حلب. ولذا لما علم أن اتجاه الأساقفة العام كان لانتخاب مكسيموس مظلوم بطريركا بعد رجوعه من روما تحاشى المشاركة بالمجمع الانتخابي.
بناء الكنيسة الكاتدرائيّة وكنيسة القديس جاورجيوس:
رغم القلاقل التي حصلت في عهده تمكّن المطران شاهيّات من تحقيق إنجازين هاميّن يستحقّان أن يخلّدا ذكره.
قبل قدوم المطران غريغوريوس إلى حلب كانت الطائفة تتحدث عن بناء كنيسة، وما أن وصل المطران إلى حلب حتى قرّر بناء الكنيسة الكاتدرائيّة في حيّ الصليبة وكنيسة القديس جاورجيوس في حيّ الشرعسوس. وكان الروم الكاثوليك قد شغلوا مناصب هامّة في عهد الفتوحات المصريّة فتعيّن عبد الله دلاّل عضواً في مجلس الشورى بحلب وشكري تاجر مباشراً للخزينة.
بدأت حملة التبرّعات لبناء الكاتدرائيّة في أوائل تموز 1833 وما أن مضى شهران حتى تجمّع لدى المطران ما ينيف على ثلاثين ألف غرش. واشتركت النساء بحملة التبرع فقدّمنَّ الأموال النقديّة وبعض حلاهنَّ ومجوهراتهنَّ وقدّمنَ ثمنها للطائفة فاقتنى المطران ومعاونوه عدداً من الدور القديمة بغية هدمها وإقامة الكنيسة مكانها. واستغرقت أعمال الهدم والبناء عدّة سنوات. وعام 1842 كانت أعمال البناء أوشكت على الانتهاء فالحجر الموضوع فوق حنيّة المحراب مؤرخ عام 1842. ويذكر نعوم بخّاش في يومياته أسبوع (20-26 آذار 1842) والأحد أولها ابتدوا يصلّوا الروم بالكنيسة التي عمال يعمروها بالصليبة ويذكر الخوري بولس حاتم في رسالته للبطريرك مظلوم بتاريخ 9 أيار 1842 “إننا ابتدأنا نقدّس بالكنيسة منذ يوم خميس الأسرار” وفي نهاية السنة اكتمل تبليط الكنيسة. وجلبت احجار المذابح الكبيرة سنة بعد افتتاح الكنيسة للصلاة. جاء في يوميّات البخّاش. الاثنين والثلاثاء والأربعاء (26و27و28 آذار 1843) “جابوا حجرة الروم لأجل مايدات للهياكل كنيسة الروم الجديدة والحجر الكبير طلع المطران والبسارنة وغيرهم جابوها بزلاغيط والله يساوا لأنها كبيرة”.ي.م. في رياسة مطران غريغوريوس شاهيّات . جاء في سجل رسامات الأبرشية: “وفي يوم العنصرة 1843″رسم سيادته في قداسه الحبري في كنيسة السيدة الشمّاس جحا قساَ وهذه أول رسامة في الكنيسة العامرة”. كما ورد قبلاً “تاريخ 6 أيلول 1841 ارتسم شكر الله تادفيه شماساً إنجيليّاً.. وكان القداس في بيت القلاية” مما يدل على أن الكنيسة لم يكن انتهى بناؤها آنذاك.
أما كنيسة القديس جاورجيوس في حيّ الشرعسوس فبوشر في بنائها في الحقبة نفسها إلاّ أنها فتحت للعبادة قبل الكاتدرائيّة لأنها كانت في بادئ الأمر صغيرة وبوشر بأعمال توسيعها عام 1849. وأقدم ذكر لبدء الصلاة في الكنيسة عثرنا عليه في ذيل كتاب البندكستاريون المخطوط: “قد أوقف هذا الكتاب المبارك لكنيسة القديس جاورجيوس بمدينة حلب للروم الكاثوليك الخواجات شكر الله بن الخواجا نصر الله عايده 28 آذار 1836″. وقد تمّت سيامة القس باسيليوس جحا في 2 شباط 1839 في كنيسة القديس جاورجيوس حسب ما ورد في دفتر الرسامات:”في اليوم الثاني من شهر شباط سنة 1839 قد رسم السيد كيرغريغوريوس الشماس بطرس جحا قساً كاملاً ودعي اسمه باسيليوس على كنيسة والدة الاله بحلب يوم عيد دخول السيد للهيكل في قداسه الحبري بكنيسة القديس جاورجيوس في حي الشرعسوس” وتبعت ذلك سيامات أخرى في كنيسة القديس جاورجيوس قبل تدشين الكنيسة الكاتدرائية.
وفاته:
جاء في سجل اكليروس حلب: توفّي المثلّث الرحمة السيد غريغوريوس شاهيّات في 21 آب نهار السبت 1843 غربي بعد أن استلم ابرشية حلب نيفاً عن عشر سنوات، ودفن في كنيسة الكاتدرائيّة في قدس الأقداس بجانب الهيكل الملوكي الأيمن باحتفال عظيم بحضور رؤساء الطوائف الكاثوليكيّة كافة وكهنتهم مع المرسلين اللاتين.
ولم يهنأ المطران شاهيّات بالكاتدرائيّة التي اشرف على بنائها إلا بضعة أشهر وكان أول من دُفن فيها.
الاكليروس في عهد غريغوريوس شاهيّات:
وقّع على صك انتخاب المطران غريغوريوس شاهيّات خمسة عشر كاهناً من الأبرشيّة الحلبيّة: الخوري جرجس طحان، الخوري ميخائيل أنطاكي، الخوري يوسف جبجي، الخوري بطرس تيناوي، القس ابراهيم عيّاط، القس بطرس سمّان، القس ميخائيل عجّوري، القس يوسف حاتم، القس يوسف توتنجي، القس نصر الله رعد، القس عبد الله قديد، القس جبرائيل جوّان، القس الياس كيّال، القس فتح الله سمّان والقس جرجس حدّاد. الأربعة الأوائل علاوة على الخوري بولس خيّاط الذي لم يرد اسمه كانوا من بين الكهنة الذين نفوا إلى لبنان عام 1818 والخوري جرجس طحاّن كان من عداد الإكليروس منذ عهد المطران جرمانوس آدم. وبقية الكهنة رسمهم المطران اغناطيوس عجّوري.
وقد رقّى البطريرك مكسيموس مظلوم اثنين منهم إلى الدرجة الأسقفية، فترة حبرية المطران شاهيّات، الخوري يوسف توتونجي مطراناً على طرابلس “باسم أثناسيوس” في 11 تشرين الأول 1836 والخوري بطرس سمّان مطرانا على ديار بكر “باسم مكاريوس” في 25 كانون الأول 1837. وقام المطران غريغوريوس شاهيّات بإثنتي عشرة رسامة كهنوتية في مدينة حلب بين عامي 1835 و 1841.