مقالات تاريخية

تاريخ طائفة الروم الملكيين الكاثوليك في حلب (4)

عهد المطران بولس حاتم 1863-1885

سنخصص هذه المقالة للتحدث عن المطران بولس حاتم وهو ثالث مطران تمكّن من الإقامة في أبرشيّة حلب كمطران للروم الكاثوليك.

المطران بولس حاتم 1863-1885

نشأته ورسالته الكهنوتيّة:

هو بطرس بن نعمة الله بن بطرس حاتم، والدته سوسان يوسف شبارخ. ولد في حلب في 27 كانون الثاني 1811، وكان منذ نشأته يشارك في صلوات الفرض في الكنيسة وأخذ يلمّ بالسريانيّة والإيطاليّة…فاستدعاه المطران أغناطيوس عجّوري عام 1828 الذي كان قد رسم أخاه يوسف كاهنا عام 1827 ، وكان ينوي ارساله إلى رومة للدراسة إلا أن ظروفه الصحيّة حالت دون ذلك فوضعه في المدرسة الإكليريكيّة الأرمنيـة في بزمّار.

فأكبَّ هناك على دراسة مبادئ الفلسفة واللاهوت واللغة الإيطاليّة، ورقّاه المطران عجّوري سنة 1830 إلى درجة الشمّاس الأنجيلي ووكّل إليه بوجه عام عمل الرسالة في منطقة زحلة، وفي محفوظات المطرانية (سجل1 رقم24) صكّ مؤرخ في 14 شباط 1830يأذن فيه المطران عجّوري “للأرشيدياكون” بطرس حاتم أن يقبل انضمام المؤمنين إلى أخويّة قلب يسوع.

وفي سنة 1833 عاد لخدمة أبرشيّة حلب ورافق المطران غريغوريوس شاهيّات في دخوله حلب في 31 آذار. وبدأ رسالة الوعظ. ورقّاه المطران شاهيّات إلى درجة الكهنوت يوم أحد العنصرة، 26 أيار 1835 وسّماه بولس.

قاوم الخوري بولس بشجاعة أضاليل بدعة العابدات، وقد أنجز سنة 1839 كتابا دعاه “دحض الأضاليل الباطشتاوية الآتية عن ضلالات هنديّة”. وأظهر فيه أن هذه البدعة تسرّبت إلى حلب من بقايا تعليم الراهبة الحلبيّة المارونيّة هنديّة عجمي التي فضح أمرها في لبنان سنة 1778 وعن تعليمها الفاسد . وتوّج نضاله ضد العابدات في عهد المطران ديمتريوس أنطاكي إذ في خاتمة القداس الذي رشقت فيه زعيمة الحركة بالحرم الكبير في 3 آب 1847 استدعاه المطران وأناط بعنقه صليباً وعيّنه متقدّماً في الكهنة.

كان بولس حاتم ألمع كاهن في أكليروس حلب. ولما توفّي المطران شاهيّات وتولّى البطريرك مظلوم مؤقتا إدارة الأبرشيّة بنفسه كان الخوري بولس حاتم والخوري ميخائيل أنطاكي باتصال متواصل مع البطريرك بالمراسلة. وأثناء الأنتخاب وجّه الخوري بولس مناصريه لينتخبوا الخوري ميخائيل. وكان أكبر سند له ودافع عن صحّة رسامته وإن لم يشارك بها ثلاثة أساقفة.وأخلص الودّ للمطران ديمتريوس وإن رفض دائماً أن يكون نائبه العام”لئلا يقول خصومه إنهم لا يقبلون عليهم أسقفين”.

أثناء اضطرابات 1850 لجأ أوّلا إلى أنطاكية وفي 8 كانون الأول سافر إلى رومة بمهمّة من قبل البطريرك مكسيموس مظلوم لا سيما لأجل الحصول على تثبيت قرارات مجمع القدس المنعقد عام 1849. وأمضى سنتين يتجول بين روما وبعض المدن الأوربية وتعمّق في هذه الأثناء باللاتينيّة والفرنسيّة.

وإن محفوظات المطرانيّة تحتوي على مراسلات الخوري بولس في تلك الحقبة (أكثر من 200 رسالة). وإن غيابه الطويل عن حلب أضعف موقف المطران أنطاكي. ولما عاد عمل على تهدئة الأمور.

ارتقاؤه السدّة الأسقفيّة:

بعد أن توفّي المطران ديمتريوس أنطاكي في 9 تموز 1863 وجّه البطريرك أكليمنضوس بحوث بتاريخ 10 آب 1863 منشوراً إلى أبرشية حلب يأمر فيه باجتماع اللجنة الإنتخابيّة برئاسة النائب البطريركي الخوري يوسف حاتم. لاختيار خلف له وفي 21 آب 1863 أجتمع الكهنة للأنتخاب، وكان عدد هم أحد عشر كاهناً، بحضور عشرين شخصاً بين أعيان الطائفة. فنال الخوري بولس حاتم سبعة أصوات وحصل على الأغلبيّة المطلوبة. فوقّع الحاضرون وثيقة الانتخاب وبعثوا بها إلى البطريرك الذي أصدر بتاريخ 31 آب منشوراً ثبّت فيه هذا الانتخاب.

غادر الأسقف المنتخب حلب في 13 أيلول إلى الأسكندرون حيث أبحر إلى بيروت ووصلها في 19 أيلول. وفي 27 أيلول رقّاه البطريرك اكليمنضوس بحوث إلى الدرجة الأسقفيّة بمعاونة السيدين أغابيوس رياشي مطران بيروت وغريغوريوس يوسف مطران عكا. وبعد ثلاثة أيام غادر بيروت وعاد إلى حلب فدخلها في 5 تشرين الأول ونظّمت له الطائفة استقبالاً حافلاً. وأرسل له الأديب فرنسيس مرّاش الحلبي من باريس قصيدة تهنئة محفوظة في وثائق المطرانية (سجل 2، 19) وهي بعنوان “ثمرة البشرى ومرآة الذكرى”. ومطلعها:
يا للقلوب على البشــــائر تخفق وعلامَ أجنحة الهياكل تصفّــق
وخاتمتها:
يا أيهـا الـروم اطربوا وترنّمــوا إذ قام يرعـاكم أميـــن صادق
قولوا فحظ مؤرّخيــــه لكم بـه بعصــاك يا راعي الذئاب تُمزّق

السنوات الأولى من حبريّته:

في 18 أيلول 1864 عاد المطران بولس حاتم فسافر إلى بيروت بدعوة من البطريرك أكليمنضوس بحوث لحضور المجمع الطائفي في دير مار يوحنا الشوير، وفيه استقال البطريرك بحوث من منصبه وانتخب بدلاً عنه البطريرك غريغوريوس يوسف. ووقّع أعمال المجمع بهذه العبارة فقط”بولس متروبوليت سلوقيّة وحلب” أسوة بالمطران أنطاكي. ولما تشكّلت نواة لأبناء الطائفة في مدينة كلّس سعى المطران بولس حاتم لدى البطريرك بإضافة قورش (المدينة الأثريّة قرب اعزاز وكلّس) إلى ألقاب مطران حلب. فكان له ذلك عام 1869 إذ جاء في تاريخ أكليروس حلب : إعلم أن قدس السيد البطريرك كير غريغوريوس يوسف في مجمع أساقفة الطائفة المنعقد في دمشق في شهر تشرين الأول 1869، قبل التوجّه لرومه لأجل المجمع الفاتيكاني . قد أضاف أبرشية كلّس لكرسي حلب المتروبوليتي وأصبح متروبوليت حلب يوقع متروبوليت حلب وسلوقية وقورش.

الأشتراك في المجمع الفاتيكاني الأول:

في 17 أيار 1867 سافر المطران بولس حاتم إلى روما بصحبة القس ميخائيل مظلوم بدعوة من البابا بيوس التاسع للإشتراك في الاحتفال بالذكرى الثامنة عشرة لاستشهاد القديس بطرس.

وفي 30 أيلول أشترك في دمشق في المجمع الذي دعا إليه البطريرك غريغوريوس يوسف للتداول في المجمع الفاتيكاني المنوي عقده. وكان قد أصدر بتاريخ 12 أيلول 1869 منشوراً راعوياً شرح فيه لأبناء أبرشيته أهميّة انعقاد المجمع وطلب منهم رفع الصلوات من أجل نجاحه.

ومن دمشق توجّه المطران إلى بيروت بصحبة بعض الأساقفة وأبحروا في 26 تشرين الأول فوصلوا إلى مرفأ أنكونا في ايطاليا في 7 تشرين الثاني 1869 وفي اليوم التالي توجّهوا بالقطار إلى روما حيث حلّوا بادىء الأمر في دير الآباء اللعازريّين ومنه نقلوا إلى دير القديس خريسندوس.

وأعطي المطران حاتم مقعداً في المجمع بين رؤساء الأساقفة (مقعد رقم 116). كانت الجلسة الإفتتاحيّة في 8 كانون الأول 1869. وشارك في شجب الأضاليل العصريّة. أما بشؤون الكنسيّات وسلطة البابا وعصمته فكان موقفه مشابها لموقف البطريرك غريغوريوس يوسف. ولم يرَ مناسباً القيام بتجديدات اضافية كي لا توسّع الشقّة مع الأرثوذكس. وقبل التصويت النهائي غادر روما ووصل إلى حلب في أيار 1870.

نشاطه الرعوي:

كان المطران حاتم مولعاً بالوعظ وكان وعظه بليغاً. يعظ كل أحد وعيد في القداس الكبير الذي يقيمه لأجل الرعيّة في الكنيسة الكاتدرائيّة صباحاً. ومساء الآحاد في الكنيسة الكاتدرائيّة وكنيسة القديس جاورجيوس مناوبة بعد صلاة الغروب. وكان يلقي مواعظه خصوصاً على أعضاء أخوية القربان.

كان مولعاً بالطقوس الدينيّة، ويواظب على تلاوة الفرض الإلهي مساء كل يوم في الكنيسة الكاتدرائيّة. وأنشأ مدرسة لتعليم الموسيقا الكنسيّة البيزنطية (البصلتيكا)، وعُهد بإدارتها إلى السيد جرجس فتح الله اليان الذي قام بمهمّته أحسن قيام وألّف بالعربية كتاب قواعد البصلتيكا ثم أردفه بمجموعة ضخمة من التراتيل الكنسيّة مضبوطة بعلامات البصلتيكا باليونانيّة، وقد عُني بطبعها “على الحجر”. أكثر القطع منقولة عن كتب يونانيّة ومنها من تأليفه. وكان رائداً في هذا المجال.

وكان يشرف على تثقيف المرشّحين للكهنوت في دار المطرانية وشديداً في تربيتهم وأرسل طالبَين إلى إكليريكيّة القديسة حنّة التي افتتحت في القدس عام 1882 بإدارة الآباء البيض.

وأنشأ في المطرانية مكتبة لا بأس بها. ومن مؤلفاته كتاب “دحض الأضاليل الباطشتاوية الآتية عن ضلالات تعاليم هنديّة” الذي أتينا على ذكره ومجموعة من الخطب كان ينوي نشرها لكنها لم تنشر.

وكان حريصاً على مركز طائفته في حلب وفي أوائل عام 1865 نرى ثريا باشا والي حلب يعترف لطائفة الروم الكاثوليك بحقّ التقدم على سائر الطوائف المسيحيّة في حلب. وبتاريخ 22 آذار 1865(محفوظات مطرانيتنا سجل 2 رقم 25) يكتب لـه البطريرك غريغوريوس يوسف يشكره لإعطائه المطران بولس حاتم “التقدم بموجب القانون العالي على أمثاله لأكثرية الملّة”. وكان المطران حاتم يحتجّ إن لم يراعَ مقامه.

إلا أنه في حياته الخاصّة كان متواضعاً. يحكى أن بعض الوجهاء أتوه مرّة وألحّوا عليه بلبس أثواب فاخرة فلم يقبل. فقالوا لـه: أنت مطران الروم فيجب أن يكون لباسك ملائماً لمنزلتك. فأجابهم أنا قبل كل شيء راعٍ والراعي لـه العباءة والعصا. ثم أردف مشيراً إلى ثوبه الخشن وإلى عكّازه : فهذه عباءتي وهذه عصاي.

وكان غيّوراً على مصالح المسيحيّين ولا سيّما على الفقراء والبائسين منهم. ولما أتت الحكومة تطلب سجل أسماء أولاد الطائفة لأجل جمع بدلات العسكرية رفض إعطاءه لعلمه بما كان يلحق الشعب من مظالم في ذلك العهد. ولما ألحّوا عليه كثيراً في طلبه أجابهم بشدّة:” أنا المطران وأنا الشعب وإن شئتم فأحبسوني. أما السجل فلا أسلّمه. ثم تناول عكّازه وهم ّ بالخروج. فلاطفوه وتركوه وشأنه”.

مرضه الأخير ووفاته:

أصيب المطران حاتم بالمرض في آخر حياته فاحتمل عذابه نحو عشر سنين ثم لزم الفراش أخيراً نحو ثلاثة عشر شهراً. وفي أثناء ذلك بُلي بقروح في ظهره أمست هي القاضية عليه فانتقل إلى رحمة الله في 10 شباط سنة 1885 واحتفل بجنازته في اليوم التالي ودفن إلى يسار الهيكل الكبير في الكنيسة الكاتدرائيّة.

الإكليروس:

كان أكليروس أبرشيّة حلب الذي عقد اجتماعه الانتخابي لاختيار خلف المطران أنطاكي مؤلفاً من 11 عضواً. وكانوا 19 لدى انتخاب خلف المطران شاهيّات. فمنهم من توفّي كما ذكرنا ومنهم من أُبعد بسبب تورّطه في أحداث العابدات (أبراهيم عياط، ميخائيل عجوري، باسيليوس جحا) أو بسبب انحيازه إلى الأرثوذكسيّة فإن الأب عبد الله قديد الذي كان رسمه المطران عجوري بتسرّع عانى من مشاكل عاطفيّة فلجأ إلى الأرثوذكس الذين وعدوه بحلّ مشكلته. ثم عاد وتاب إنما أُبعد عن خدمة الرعيّة، وتحفظ أرشيف المطرانيّة بعض الوثائق تخصّ قضيّته. وقد جاء على ذكره نعوم بخاش في يومياته في 12 آذار 1845 ” وفسفس القسيس بن بطرس قديد ” (جزء أول ص 290).

وبعد التحرّي تبيّن لنا أن الكهنة الأحد عشر هم: الخوري يوسف جبجي آخر من بقي على قيد الحياة من الذين نفوا عام 1818، الخوري يوسف حاتم آخر من تبقى ممن رسمهم المطران عجّوري. وخمسة ممن رسمهم المطران شاهيّات: الآباء بولس حاتم، حنا سالم، فيلبس شاهيّات، اندراوس اليان، والياس جحا، وأربعة ممن رسمهم المطران أنطاكي الآباء: باسيليوس شعراوي، ميخائيل مظلوم، جرجس عازرية ونعمة الله نجم.
وبعد انتخاب بولس حاتم أصبح الكهنة عشرة، وتوفّي ستة منهم في عهده ورسم ثمانية آخرين.

أما الكهنة الذين رسمهم المطران بولس حاتم فهم:

  • الأب بطرس حنا جحا (1840-1916): هو الذي خلف المطران حاتم على كرسيّ حلب باسم كيرلس ثم أصبح بطريركاً عام 1902 وتوفى عام 1916.
  • الأب جبرائيل صايغ (1833- 1908) :هو رزق الله جبرائيل صايغ وكان وكيلا للكنيسة الكاتدرائيّة. توفّي عام 1908 بعد 41 سنة من الكهنوت.
  • الخوري رفائيل ربّاط (1848-1923):هو جرجي بن انطون يوسف رباط. توفّي في 15 أيلول 1923 بدون أن ينقطع عن خدمة الرعية طيلة خمسين سنة.
  • الخوري جرجس يوسف بن فيلبس تاجر (1846-1898): والدته كاترينا بليط.توفّي سنة 1898 وعمره 52 سنة بعد عشرين سنة من الكهنوت.
  • الخوري ديمتري قسنصر الله (1855-1919):هو فتح الله بن شكر الله قسنصر الله وأمه مريم لاجين . توفّي عام 1919.
  • الخوري انطون شرقي ( 1856 – ؟ ): هو جبرائيل بن يوسف جبرائيل شرقي وأمه برباره عبد الله برنوطي. خدم رعية حلب حتى أواخر القرن التاسع عشر ثم سافر إلى الولايات المتحدة حيث توفّي.
  • الخوري قسطنطين خضري (1857-1929) : هو باسيل الياس خضري والدته مريم جانجي. وتوفّي بعد 48 سنة من الخدمة الكهنوتيّة.
  • الخوري ميخائيل شحّود (1857-1915) :هو ميخائيل جرجي شحّود توفّي بعد 31 سنة من الخدمة الكهنوتية.

كان الكهنة ينتظرون فترة بعد رسامتهم لتصريفهم في خدمة الرعيّة. وكانت مهامّهم قبل تأسيس المدرسة الكبرى تقتصر على تفقّد أبناء الرعية وإقامة القداديس والصلوات الليتورجيّة ومنح الأسرار. واختصّ بعضهم بالوعظ وإرشاد الأخويّات ( أخوية البشارة، أخوية القربان ) وكانت منوطة بالبعض منهم وظيفة وكيل الكاتدرائيّة أو وكيل كنيسة القديس جاورجيوس، أو وكيل الفقراء . وكان الخوارنة يتجنّدون لخدمة المرضى عند تفشّي الأوبئة الفتّاكة وكانوا بحالة استنفار دائم كما يستدل من وثيقة التي دوّنت في آخر السجل القديم الذي يدوّن وقائع العمادات والأكاليل والدفنات من 1839-1876.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى