نشأته: هو سمعان بن حنا جحا وكاترين بيطار. ولد في حلب في 16 تشرين الأول سنة 1840. تعلّم في صباه العربيّة والإفرنسيّة والتركيّة. سمع به المطران ديمتريوس أنطاكي فقرّبه إليه وأسند إليه بعض شؤون الطائفة الزمنيّة. درس العلوم الفلسفيّة واللاهوتيّة على يد المطران أثناسيوس توتونجي مطران طرابلس المتقاعد. ورسمه المطران ديمتريوس شماساً إنجيليّاً في 2 شباط 1861، وبدّل اسمه من سمعان إلى بطرس. اصطحبه المطران بولس حاتم كاتماً لأسراره إلى المجمع الذي تمّ فيه انتخاب البطريرك غريغوريوس يوسف. ويوم الأحد 30 نيسان 1865 رقّاه المطران حاتم إلى درجة الكهنوت المقدّس وكلّفه خصوصاً بالإتصالات مع الدوائر الحكوميّة فوثّق علاقاته بالأخصّ مع والي حلب كامل باشا. وفي 10 أيار 1874 منحه المطران رتبة خوري الفخرية وكلّفه بالوعظ. ولما توفّي المطران بولس حاتم في 10 شباط 1885 تعيّن الخوري بطرس جحا نائبا ًبطريركيّاً إلى أن يتم انتخاب خلف للمطران المتوفّى.
ارتقاؤه الأسقفية: قد دوّن هو بنفسه كيفية انتخابه وسيامته في سجل العمادات القديم والرسامات:” إنه في اليوم الخامس والعشرين من شهر آذار 1885 تم انتخابنا رغم عدم الإستئهال نحن الحقير في المتروبوليتيين كيرلّس جحا من جمهور الإكليروس في الكنيسة الكاتدرائيّة حيث كان قابلا القرعة السرّية القانونيّة السيد غريغوريوس(بليط) مطران الأرمن الكاثوليك. فصادفنا إثني عشر صوتاً من ثلاثة عشر صوت المنتخِبين. وعقب إتمام الإنتخاب القانوني هذا دوَّت الكنيسة من أصوات البهجة داخلاً وخارجاً. هذا وقد دعينا من غبطة البطريرك كيريوس غريغوريوس الكليّ الطوبى إلى بيروت حيث كان سفرنا إليها في 24 نيسان 1885. فبلغنا مدينة بيروت في 30 نيسان السنة نفسها. ثم في 1 أيار سافرنا منها عن إرادة طوباويته إلى دير القديس جاورجيوس الشير وفي 3 أيار السنة عينها قبلنا الشرطونية الأسقفيّة من يد طوباويته بمشاركة اخويتي السيدين الجزيلَي الشرف والحرمة، كيريوس ملاتيوس مطران بيروت وجبيل، وكيريوس أثناسيوس مطران قلاية أورشليم ونائب بطريركي على القطر المصري في كنيسة دير القديس جاورجيوس العامر. نسأله تعالى أن يأخذ بيدنا لنقوم بأعباء هذه الدرجة الخطيرة بغير مداينة… وقد تبدل اسمنا من بطرس إلى كيرلس في الشرطونية الأسقفية.” هذا وقد أرسل الباشا جواداً مطهّماً فركبه المطران عند دخوله البلد وعزفت له موسيقى البلد مع موسيقى مدرسة الآباء الفرنسيسكان.
حبريته: تشكل حبريّة المطران كيرلس جحا على حلب من 1885 إلى 1902 مرحلة انتقاليّة. فقد عاصر السلطان عبد الحميد ،وكان متمسّكاً بهيبة الإحتفالات ومحافظاً شديداً على مقامه. ويورد الأب فردينان توتل، الذي عرف المطران كيرلس جحا لما كان طفلاً وطالباً قي مدرسة القديس نيقولاوس ،نماذج طريفة عن هيبته ووقاره (وثائق 4 ص 20-31). ومن جهة أخرى كان منفتحاً على رومة والغرب. كان موضوع اعتبار السلطات العثمانيّة التي اعترفت حالا به ومنحته أرفع الأوسمة ،ومن جهة أخرى موضوع تقدير وثقة السلطات الرومانيّة. وقد زار البابا لاون الثالث عشر مرّتين على الأقلّ. (ما لم يفعله أسلافه). وافتتح مدرسة ثانويّة عصريّة استدعى لإدارتها فترةً رهباناً فرنسيّين. وأسس جمعية خيريّة منتظمة ، وبارك تأسيس جمعية التعليم المسيحي التي قام بإرشادها في أول عهدها إثنان من كهنته، الخوري باسيل شمّاع والخوري ميخائيل شحّود. وأرسل طلاباً إكليريكيّين إلى مدرسة عين تراز الإكليريكيّة ولا سيما إلى إكليريكيّة القديسة حنة في القدس بإدارة الآباء البيض، التي ربّت كهنة مثقفين تخرّج باكورتهم في عهده ، وأنهى أغلبيتهم دروسهم في عهد خلفه ديمتريوس قاضي. وكان موضوع تقدير سائر الأحبار، وقد ترأّس مرتين إدارة الطائفة عند شغور الكرسي البطريركي إلى أن انتُخِب بطريركاً.
في 25 حزيران، 1886 قدم إلى حلب البطريرك غريغوريوس يوسف للروم الكاثوليك بدعوة المطران كيرلس جحا. وسافر إلى استقباله في الإسكندرون الأبوان جبرائيل صايغ وميخائيل شحود… وأرسل الوالي قرب محلة السبيل صيوانا فضُرب هناك مع معدّاته للاستقبال مع عربتين منتظمتين وجوادين كريمين لخدمة الزوّار الكرام. وكانت قوّاسة القناصل وعساكر مشاة الجندرمة واقفة عدة جهات تنتظر صاحب الغبطة ، وموسيقى تلامذة الآباء الفرنسيسكان تعزف والنواقيس تضرب والأجراس تقرع.
وفي أواخر سنة 1886 دعا البطريرك غريغوريوس يوسف المطران جحا ليرافقه مع وفد من الأساقفة والكهنة لتقديم التهاني للبابا لاون الثالث عشر لمناسبة يوبيله الأسقفي الفضّي ، فانطلق إلى رومة ومعه تاج فاخر مرصع باللؤلؤ والجواهر الكريمة قدّمه لقداسة البابا باسم الأبرشيّة الحلبيّة. وقد بلغ رومة في 27 تشرين الأول 1886. ومن روما اجتاز إلى فرنسا حيث استقبلته الحكومة الفرنسيّة رسميّاً ،وتناول طعام الغداء على مائدة رئيس الجمهوريّة وأُعطي وسام جوقة الشرف. ومن فرنسا دعاه البطريرك إلى الاستانة فانطلق إليها ، وكان إذ ذاك في رئاسة الوزارة صديقه القديم كامل باشا والي حلب الأسبق الذي عرّفه على شخصيات العاصمة.
وزار مرّة أخرى العاصمة باسمه الشخصي يرافقه الخوري بطرس سابا ، ودخل على السلطان عبد الحميد في قصر يلدز بثيابه البيزنطيّة الفاخرة الملوكيّة. فانذهل الباديشاه لمرآه وسأل ما الخبر؟ فأجاب متروبوليت حلب: “إني ارتديت الحلّة التي أقف فيها عند المذبح للصلاة أمـام الله. وأنا أقف أمـام سلطاننا ممثـل الله على الأرض وأدعو لكم”.
وقد ذكرنا سابقاً اهتمامه بالمدارس إذ أسس مدرسة القديس نيقولاوس الكبرى في آذار 1886 ،ويعود إليه أيضاُ تأسيس الجمعية الخيرية عام 1899 وقد وضعها تحت حماية يوحنا الرحيم.
نحو المنصب البطريركي: لما شعر البطريرك غريغوريوس يوسف بدنوّ أجله ، استدعى إليه صديقه المطران جحا. لكنه وصل إلى دمشق بعد وفاة البطريرك (13 تموز 1897). وفي 27 تموز 1897 عيّنت روما المطران كيرلس قائمقاماً بطريركياً وصادقت الحكومة العثمانيّة على تعيينه. وتعرقلت الأوضاع إلى أن استطاع أن يدعو إلى مجمع عقد في دير المخلص بصربا من 10 إلى 24 شباط 1898 انتخب فيه بطرس الرابع جريجيري بطريركاً.
وفي أواخر آذار من السنة عينها سافر المطران جحا إلى القدس لزيارة الأماكن المقدّسة ، ثم سافر إلى رومة بدعوة من الكرسي الرسولي الذي أبدى نحوه كل عطف وتقدير، واستمع إلى تقريره عن حالة الطائفة وعاد إلى حلب. وتوجّه إلى لبنان أواخر تشرين الأول 1901 بانتظار عقد المجمع الطائفي. وتأخر المجمع بسبب مرض البطريرك الذي توفّي في 24 نيسان 1902. وعادت روما فعينت المطران كيرلّس جحا مدبراً رسولياً للكرسي البطريركي. فدعا السينودس إلى الانعقاد في عين تراز في 26 حزيران 1902 وفيه انتخب كيرلّس بالصوت الحيّ دون اقتراع بطريركاً للطائفة في 27 حزيران 1902. واعترف به قداسة البابا والباب العالي.
البطريرك: في عهده أُسِّست الجمعيّة البوليسيّة عام 1903 وأوعز إلى البوليسيّين عام 1910 نشر مجلة تنطق بلسان البطريركية سُمّيت المسرّة. ورئس في روما عام 1907 بحضور البابا بيّوس العاشرالقداس الاحتفالي لمناسبة الذكرى المئوية الخامسةعشرة لوفاة القديس يوحنا الذهبي الفم. وأمر بعقد مجمع عين تراز عام 1909 لوضع تشريع كامل للطائفة. ولدى اندلاع الحرب العالميّة الأولى كان في مصر، ولما خلعت الحكومة الإنكليزيّة الخديوي عبّاس وأقامت خلفاً لـه السلطان كامل اشترك البطريرك بحفلة المبايعة ، فغضبت عليه الدولة التركيّة وعدّت فعله هذا خيانة ،فنزعت عنه السلطة المدنيّة التي منحتها أياه. وأمرت مطارنة الطائفة أن ينتخبوا قائمقاما بطريركيّاً. وتعيّن مطران صيدا باسيليوس حجار قائمقاماً بطريركياً للشؤون المدنيّة. وتوفّي البطريرك كيرلس في الاسكندرية في 9 كانون الثاني سنة 1916.
الإكليروس: لما تَسَلَّم المطران كيرلّس جحا زمام أبرشية حلب كان مصَّف كهنة الرعية مؤلفاً على الشكل التالي: حنا سالم ، الياس جحا ، جرجس عازريه ، نعمة الله نجم، جبرائيل صايغ ، روفائيل ربّاط ، جرجس تاجر ، ديمتري قسنصر الله ، أنطوان شرقي وميخائيل شحود علاوة على الشماس الانجيلي جرجس(نيقولا) فتال، ويبدو أن الشماس فتال اشترك استثنائياً بانتخاب المطران جحا فإن هذا يقول في وصفه لحفلة الاقتراع أن عدد الأصوات كان 13 أي 12 ما عداه. ( وكانوا يؤثرون أن يكون عدد الاصوات مفرداً كي تتوضح الأغلبية الادنى 7 مقابل 6).
ورسم المطران كيرلس جحا لأبرشيّة حلب ثمانية كهنة توفّي أحدهم بعد سيامته بقليل. واصطحب كيرلّس جحا معه أحدهم إلى مصر لما صار بطريركا ، فأصبح عدد إكليروس حلب عند مغادرة كيرلس جحا 12 وهو العدد نفسه الذي كان عند وفاة المطران بولس حاتم.
أما الكهنة الذين رسمهم المطران كيرلس جحا فهم:
- الخوري نيقولا فتّال (1851-1948).
- الايكونوموس باسيليوس شمّاع (1854-1935) : كان علمانيّاً غيّوراً ، ولـه الفضل في تأسيس جمعيّة التعليم المسيحي.
- الخوري ثاوذوروس (بطرس) صايغ (1870-1907): وهو أول من سيمَ كاهناً على أبرشية حلب من تلامذة “القديسة حنّة
- الخوري اغناطيوس ربّاط (1868-1900): ولد في أورفا من أسرة حلبيّة. دخل إكليريكيّة القديسة حنّة عام 1883 باسم البطريركيّة الأنطاكيّة، وعاد إلى حلب وقبله المطران جحا في الأبرشيّة الحلبيّة ورسمه كاهناً في 2 شباط 1896. كان كاهناً غيّوراً ولامعاً إلا أنه توفّي شاباً في 13 حزيران 1900.
- الخوري بطرس سابا-المطران مكاريوس-(1873-1943): ولد في 12 شباط 1873. على أثر زيارة البطريرك غريغوريوس يوسف لحلب عام 1886 ،أوفده المطران جحا إلى إكليريكيّة عين تراز مع رفيقه نجيب كبابه (أثناسيوس) ،واتخذه أميناً لسرّه ليرافقه في كلّ أسفاره،ولما أصبح كيرلّس جحا بطريركاً لم يشأ أن يتخلّى عنه فأعتقه من خدمة الأبرشيّة الحلبيّة والحقه بالأكليروس البطريركي، ثم أصبح أسقفاً نائباً بطريركيّاً في مصر باسم مكاريوس وعاد إلى حلب عام 1919 إذ انتخب متروبوليتاً عليها. وتوفّي في 28 تموز 1943.
- الأكسرخوس أثناسيوس كبابه (1873-1937) .
- الخوري ملاتيوس غزال (1870-1932) .
- الارشمندريت الياس كبوجي (1870-1956): توجّه إلى إكليريكيّة القدّيسة حنّة عام 1882 وبعد انتهاء دروسه اللاهوتيّة بقي فترة في القدس يدرّس اللغة العربيّة والموسيقى البيزنطيّة.
وقد اوفد المطران كيرلس إلى إكليريكيّة القديسة حنّة عدداً كبيراً من الطلاب سوف يصبحون كهنة مثقفين وناشطين في عهد خلفه المطران ديمتريوس قاضي.