كلمة الراعي

تشددوا واصبروا

بقلم سيادة راعينا الجليل المطران يوحنا جنبرت

أتيت إليكم اليوم يا أيها الأبناء الأحباء والحصار يضيق علينا يوماً بعد يوم والأوضاع الاقتصادية تتفاقم كما ترون، مسببة صعوبات معيشية ثقيلة، ارتدت على المواطنين بشكل عام وعلى العديد من عائلاتنا العزيزة في حلب بشكل خاص. وإنّ ما يحلّ بنا جراء العقوبات الواقعة علينا زوراً وبهتاناً من ناحية، ولربما أيضا في بعض الأحيان جراء الفساد المستشري الذي يشجع عليه العدو في مجتمعنا وفي بعض الأحيان أيضا تسيّب عدد من المسؤولين وسوء إدارتهم لمؤسسات الدولة من ناحية أخرى، أضف إلى ذلك أننا نعاني من شحّ في دخلنا مردّه تضخّم العملة ونقص في المستلزمات الأساسية لحياتنا اليومية نتيجة الحصار الاقتصادي المفروض عنوة على سورية كونها رفضت أن تساوم.

أمام ما يحدث في بلادنا الحبيبة، لا يسعنا إلا الصلاة والتضرّع، طالبين خلاصاً وسلاماً يأتينا من لدن القادر على كل شيء وسائلين إياه الفرج والتيسير وعودة البحبوحة والأمن والاطمئنان إلى ديارنا. وفي الوقت عينه، نحن نرى أنه من واجبنا التوجه إلى الجهات المختصة طالبين من القيّمين على الاهتمام بشؤوننا، مزيداً من الكياسة في التعاطي مع المواطنين والجدية في القيام بواجباتهم الوظيفية والعطاءات الخدمية المنتظرة منهم، واضعين نصب أعينهم هذه الحقيقة ألا وهي: أنهم تمّ توظيفهم لخدمة الشعب والعناية بشؤونه وليس للتسلط عليه وابتزازه. فالظروف قاسية والوعي ضروري، اليوم أكثر من أي يوم مضى، كما أن التضحية واحتمال الصعوبات واجب على الجميع، بدءاً بالمدراء والمسؤولين، وصولا إلى عامة المواطنين، أثرياء كانوا أو محتاجين، أغنياء أو فقراء، على حدِّ سواء. نحن في معركة يجب أن ننتصر فيها على ذواتنا بالجدّ والتضحية وعلى العدو بالوعي والصمود.

ونحن إذ ندعو الجميع إلى التعقل والصبر على المصاعب التي تعترضنا، نرى أنه بات من الضرورة بمكان أن نعود لنشجع أبنائنا على الثقة بالمستقبل والتفاؤل، كون الأزمة عابرة وعلى زوال، علماً بأنه ما من مصيبة أو آفة لا علاج لها سوى الموت. وأن ما يؤرّق سكينة عيشنا في هذه الأيام الصعبة ويؤذي كرامتنا، سوف ينتهي قريباً إن شاء الله، فالمعطيات الدولية الحاضرة آخذة بالتوجه نحو الأفضل وإن غداً لناظره قريب.

ورغم ذلك، لا يخفى علي يا أيها الأبناء الأحباء ما يصيبكم من أذية جراء هذه الأزمة الصعبة القاسية. فإن عدداً كبيراً منكم يعاني من الضيقة والحرمان والعوز. كما أن بعضكم أصابه اليأس وأقعده القنوط، وبعضكم آسف لبقائه في البلد بعد أن صبر السنين الطوال وتمسّك به، في ظروف الحرب الصعبة وفي أحلك ليالي تلك الأيام الرهيبة، التي مررنا بها وقد سلمنا من شرها، والحمد لله. أود في هذا الصدد أن أهنئكم أولاً، على صمودكم اللافت وتضحياتكم في سبيل وطننا الغالي والعزيز، الذي يستحق كل بذل وعطاء. وأود أن أهنئكم خصوصاً على سلامتكم واستمرار كفاحكم للبقاء في بلدكم رغم الضيم الذي أصابكم وكل الصعوبات. وأنا إذ أسعى إلى تعزية قلوبكم المتألمة بما تيسّر لي من تعابير التعاطف والمواساة، أوكد لكم أن ما فعلتموه هو خير لكم ولأبنائكم ولكنيستكم وللوطن. خير لكم، كونكم تلافيتم بصمودكم فيه، الهجرة المشينة وآفات التشتت والاغتراب، وخير لأبنائكم كونكم وفرّتم لهم النشأة الصالحة وأبعدتم عنهم مخاطر التسيّب والضياع، وخير لكنيستكم التي تستمر بوجودكم وتنتعش لتشهد لمحبة المخلص، وهي تنير بألقها أرجاء بلادنا وتحيي المجتمع، وخير للوطن الذي يحتاج إلى عطاءاتكم لينهض من كبوته ويعود ليعمّر وينمو ويتقدّم معوّلاً على سعيكم واجتهادكم.

لربما يصحّ في هذا المكان أن أذكركم بان للصلاة دور أساسي في صحّة حياتنا، كما أن ممارساتنا الدينية الصادقة واحترامنا للتقاليد يفرض علينا حبّ الوطن الذي زرعنا الله فيه، ومن الملاحظ أن طقوسنا تخصّ الوطن بأدعية متكررة في مختلف صلواتها، ولذلك أطلب من كل واحد منكم تكثيف وتيرة أدعيته على نية سلامة سورية وخلاصها من هذه الحرب المقيتة التي تستنزف مقدراتها وترهق مواطنيها، ونحن كلنا منهم. وأتمنى لو أن واحدنا، وكلّ من الموقع الذي هو فيه، يقدم آلامه ومعاناته ذبيحة سخية للرب وقرباناً مرضياً على نيّة السلام وعودة الوطن إلى سابق عزّه وازدهاره، وإن معلمنا سيّد الرحمة الذي ضحّى من أجل خلاصنا، سميع ومجيب. ولنردّد مع صلاة الكاهن في ذكرانيات الذبيحة، بعد تقديس القرابين، متضرعين وقائلين: ” نقرّب لك هذه العبادة الروحية… أيضا لأجل حكامنا الصالحين المحبّي المسيح، وكل مساعديهم وجنودهم. أعطهم يا رب أن يكون عهدهم سلامياً، فنقضي نحن أيضاً في ظل أمنهم، حياة مطمئنة وادعة، في كل تقوى ووقار.”

حلب في 16 كانون الثاني 2021

المطران يوحنا جنبرت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى