كلمة الراعي

تعال ”وشوف“

بقلم راعينا الجليل المطران يوحنا جنبرت

كما في كل سنة، تدعونا الكنيسة في مثل هذه الأيام إلى الاستعداد للاحتفال بذكرى ميلاد ربنا يسوع المسيح الذي أتى إلى هذه الدنيا، محرراً بني البشر من الموت، ومنقذاً إياهم من الهلاك المحدق بهم، جرّاء الشر والفساد المستشريين في عالم فقد إيمانه بالخالق، وهو معنى وجوده ومصدر حياته والمبرر الأوحد لمماته. وتعليم الكنيسة يذكرنا في هذه المناسبة بتاريخ شعب الله المنتظر الخلاص، بدأ بإبراهيم، أول المؤمنين، مرورا بأنبياء العهد القديم الذين أعدّوا مجيء الرب ، ووصولا إلى يوحنا المعمدان خاتم الأنبياء، الذي أشار إلى قدوم السيد وحيّاه قُبيل ولادته وهو في رحم أمه، يوم زيارة مريم لأليصابات قريبتها وهي حاملة يسوع في بطنها، وما كان من تلك إلا أن حيتها بهذه المناسبة السعيدة صائحةً بصوت عظيم وقائلة: ” عندما بلغ سلامك إلى أذنيَّ ارتكض الجنين بابتهاج في بطني، فمباركة انت في النساء، ومباركة ثمرة بطنك، من أين لي هذا أن تأتي أم ربي إليَّ؟” (لوقا ا:٤٣). وكان من مريم أن أجابت على الفور ومن حيث لا تدري، مفندة أوجه رجاء عالم ممتحن ومتألم، ينتظر الخلاص من معاناته، فقالت: ” تعظم نفسي الرب، فإن اسمه قدوس ورحمته من جيل إلى جيل للذين يتقونه. شتت ذوي القلوب المتغطرسة بأفكارهم؛ حطّ الأعزاء عن عروشهم، ورفع المتواضعين؛ غمر الجياع بالخيرات، وأرسل الأغنياء فارغي الأيدي”(لوقا ٥٠:١-٥٣)

ونحن البشر، أهل هذا العالم المعاصر المتصدع في كيانه والممتحن يومياً في عيشه ننتظر مخلصا، كما كان شعب الله ينتظر في القديم المخلص، ولاسيما في عهد هيرودوس الطاغية المتربص بالوليد المُحرِّر. نحن ننتظر يسوع الفادي ليسكن معنا وينقذنا من الهلاك، هلاك النفس وهلاك الجسد على حد سواء، وليخرجنا من ظلام الجهل المطبق على أذهاننا ويحررنا من سطوة الشر المهيمن على عالمنا المعاصر، الذي يبدو غارقا في الكآبة وقابعا تحت ظلم المتسلطين والمتجبرين، فنلجأ إليه لنستنجد برحمته مرددين: ” تعال وشوف”، “تعال وانظر يا رب”، فإن شعب بني آدم، الذي خلقته بقدرة على صورتك، وأنجبته بفيض محبتك، ًوفديته بوحيدك، فهو يعاني من ويلات هذه الدنيا ويتألم من مآسيها.

• تعال يا رب “وشوف” ماذا يجري لشعبك الممتَحَن في أرمينيا وارأف به وخفف وطأة معاناته؛ وأنصر قضيته العادلة.
• تعال “وشوف” أطفال اليمن والفقراء المتألمين فيه وكل المعذبين من جراء الحرب العبثية فإنهم ينتظرون رحمتك.
• تعال “وشوف” ليبيا وما فيها من عنف ًوتطاحن وخراب؛ وانظر إلى الصومال وما يجري في أرجائها وارحم المعذبين.
• تعال “وشوف” الوحشية والعنف المستشرين في بلاد أفريقيا من شمالها إلى جنوبها؛ واحمِ المستضعفين وأنصف المظلومين.
• تعال “وشوف” محبيك في لبنان الجريح، وعاين المجاعة التي تهدد المواطنين ، وارأف بالمحتاجين إلى لقمة العيش فيه ًوالممتحن.
• تعال “وشوف” ما يجري لأقربائنا في فنزويلا ،وما ينتاب شعوب أمريكا من صراعات على الرئاسة وهدّئ العابثين فيها وجشع الطامعين.
• تعال “وشوف” ما آلت إليه أوروبا بحضارتها ،وانظر إلى الإنفلات الذي يقود مجتمعاتها ويهددها بالتقهقر وبالإنحطاط ، واحفظ أبناءنا اللاجئين إليها ، ونجِّ أولادهم من الفساد وأعِدْهم إلينا سالمين.
• تعال يا رب “وشوف” ما قد حل بالناس من مصيبة، نتيجة جائحة كورونا التي ضربت دول العالم بأسره، الغنية أكثر من الفقيرة، واشفِ رحماك المصابين.

تعال يا رب إلينا نحن أيضاً “وشوف ” ما حل ببلادنا الحبيبة من أذية وخراب، وانظر إلى أبنائك في سورية العزيزة، لقد خرّبت الحرب الظالمة بيوتهم وقطعت أرزاقهم، ثم دمرت الأحقاد مصانعهم وحرقت محاصيل كدهم وعنائهم. أفقرتهم المصيبة يا رب وأذلتهم، بعد أن كانوا من الميسورين، وجعلتهم في عَوَز ومستعطين بعد أن كانوا في خير ومعطائين.

تعال يا رب وانظر إليهم بعين رحمتك وارأف بهم، فإنهم إليك يلتجئون، وعطفك ليلاً ونهاراً يلتمسون، فلا تحبس فيض إحسانك عنهم، ولا تحرمهم نعمة بركتك، صانعة كل خير ويسر وهناء لأنك أنت رجاؤهم، وهم عليك وحدك يتكلون.

يا أيها القادم إلى خاصته ليسكن في وسطها، “عمانوئيل” المسيح الآتي من عند الله، تعال إلينا “وشوف ” قلوبنا المتشوّقة إليك، اسكن معنا واخلق بيننا الوئام، ضع فينا المحبة واعطنا واعطِ عالمك السلام. كن معنا يا رب ولا تسمح بأن نكون من الخاسرين، قوِّ عزيمتنا واجعلنا من العاملين والمنتجين، أعد إلينا اليُسر والكرامة ولا تجعلنا من الخائبين ولا من اليائسين. أعطيتنا وطنا حبيبا نبنيه، ًوأعطيتنا فيه كروما سخية نرعاها، وحقولا واسعة نزرعها، وأراضي خصيبة نقتات من خيراتها، وبلادا خيّرة ننعم من عطاءاتها ونسعد. أعطنا يا رب القناعة والرضى واجعلنا من الشاكرين، وليكن ميلادك في بلادنا هذا العام، ميلاد أمل ورجاء ومحبة للجميع.

حلب في 6/12/2020

المطران يوحنا جنبرت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى