سر مريم العذراء
لمناسبة عيد رقاد السيدة ام المؤمنين، حيث تحتفل الكنيسة جمعاء، شرقا وغربا، بيوم انتقالها المجيد إلى جوار ابنها وربها لحياة خالدة في السماء، وكون أبرشيتنا تحتفل هي أيضا بعيد شفيعتها وصاحبة كاتدرائيتها مريم، يروق لنا أن نتأمل في سر هذه المرأة الفريدة، التي اختارها الله لكي تكون لحمة الوصل بينه وبين بني البشر، جاعلا إياها والدة لابنه على هذه الأرض وواسطة للخلاص. ولربما نستطيع أن نقول في هذا المكان، إن مريم قد لامست الألوهية بكيانها، يوم حل عليها الروح القدس وعندما حملت في أحشائها يسوع الله الكلمة. وهل من إنعام إلهي أعظم من هذه القربى التي لم يحظَ بمثلها كائن من كان من بني البشر؟ وهنا نفهم ونعي عمق معاني نشيد إعجابنا بمريم حيث نردد في تكريمنا لها في لتورجيتنا قائلين: ” أسرارك يا والدة الإله، كلها تفوق العقل، كلها تفوق المجد لأنك، وأنت مختومة الطهارة، عرفت أما حقيقية، لما ولدت الإله الحقيقي…” ثاوطوكيون (اللحن الثاني).
إنّ لمريم عند المؤمنين وبمشيئة الله، مكانة خاصة في هذا العالم ، ولا يضاهيها في ذلك لا الملائكة ولا البشر، لا الأنبياء ولا الرسل، ولا حتى كل القديسين مجتمعين. فلقد جعلها وليدها يسوع ابن الله الكلمة، رب الكائنات ومخلص العالم، سيدة للمسكونة، تتصدر معه كنيسته المقدسة، لترعى بعطفها المؤمنين به وتحيط بعنايتها الفائقة كل اللاجئين إلى حنانه غير المحدود. ولذلك نحن نهتف إليها مرارا وتكرارا في عيدها قائلين: “ افرحي أيتها السيدة النقية! لأن معك الرب المانح العالم بواسطتك عظيم الرحمة “.
ألا نرى كل يوم ندخل فيه الكنيسة إيقونتها تتصدّر إلى جانب إيقونة السيد،عند مدخل الباب الملوكي في الايقونسطاس، سائر رسوم الخالدين المختارين، من ملائكة ورسل وأنبياء وقديسين في السماء؟ أَوَ لسنا نراها في رسومها تحمل الرب يسوع دائما على ذراعيها ليجعل هو بدوره حضنها عرشا ملوكيا يطل منه على العالمين بكل عطف وحنان؟ أوَ لم نلحظ أنّ سائر رتبنا الطقسية، لا تسهو أبدا عن دور والدة الإله في صحة الصلوات واكتمالها، وقد حفظت لها موضع الصدارة في كل ابتهال ترفعه إلى الله، حتى أنه يصل إلى إدراك كل واحد من المصلين، أن الطلب يستجاب حتما عندما يسند إلى شفاعة مريم، ولربما شفاعة السماويين أنفسهم لا تبلغ حدها وتكتمل إلا بمشاركة مريم، وهذا ما نلحظه عندما ننشد، في ختام رتبة الباركليسي الجميلة، تلك الصلاة المعبرة الرائعة: ” يا جميع جيوش الملائكة، وسابق الرب، والرسل الاثني عشر، وجميع القديسين، اشفعوا مع والدة الإله في خلاصنا”.
فهلُمّ يا أيها الأبناء الأحباء ولنجتمع جميعاً لنكرم، معاً وبصوت واحد، سيدتنا مريم نصيرة المسيحيين في يوم انتقالها المجيد متضرعين منشدين: “في رقادك ما تركت العالم يا والدة الإله. فإنك انتقلت إلى الحياة بما أنك ام الحياة. وبشفاعتك تنقذين من الموت نفوسنا”.
+المطران يوحنا جنبرت