كلمة الراعي

على قدم وساق

إنَّ الظروف الراهنة الصعبة التي نمر بها، وتحديات الزمان القاهرة والمتعددة الوجوه، لم تمنع أبرشيتنا من المُضي قُدُما في خدماتها لأبنائها، حيث أمكن إلى ذلك سبيلا وفي مختلف المجالات، الرعائية منها على قدر الإمكان، كونها تتعثّر  حالياً إلى حد كبير، جراء الحَجْر الإحترازي ومنع التجمّعات والتجوال. وأما في المجالات الإغاثية فإنّ لجاننا تعمل جاهدة وبشكل حثيث كي تستمر في أداء واجباتها الخدمية، مقدمة ما أمكن من المساعدات لأعداد كبيرة من أبناء الأبرشية وفق البرامج الإسعافية الموضوعة في مختلف المجالات والمتعددة الألوان: منها الغذائية، ومنها الصحية والإستشفائية، ومنها التعليمية والتدريب المهني للعمال، ومنها السكنية، ومنها رعاية اليتامى ومساعدة الأرامل ودعم العائلات المحتاجة، ولاسيما الفتية بينها، ومنها العناية الخاصة بالمُسنين الوحيدين مِمّن لا أولاد حولهم والمعزولين،وغيرها من الخدمات تسعى الطائفة إلى تقديمها والتي من شأنها تخفيف معاناة رعايانا في  هذه الأيام الصعبة التي تمر بها بلادنا الحبيبة.

وكون حياة الكنيسة لا تتوقف عند الحاضر المُعاش حاليا، فلا بد لها أن تنظر إلى الأمام وتخطط للمستقبل الآتي قريبا، والذي تتمنّاه آمنا رغيدا لأبنائها. وعليه فإنك تراها تسعى جاهدة، ورغم الضغوطات القائمة حالياً، لتحسين أوضاع المؤمنين الإجتماعية والعلمية والثقافية، ولذلك يلاحظ الجميع أنّ لجان الأبرشية قد انطلقت بحزمة من المشاريع الإنشائية التي من شأنها أن تؤمّن البُنى التحتية الضرورية للنهوض بمجتمعنا الرازح تحت وطأة أضرار الحرب القاسية التي جردته من مقومات أمنه الإجتماعي، وحرمته من أسباب عيشه وعطّلت نموه الاقتصادي وازدهاره. وإننا نرى مسرورين بأنّ هذه اللجان  قد بدأت العمل منذ الآن جاهدة ودون تلكؤ، بهدف الإسراع في تنفيذ أعمالٍ عمرانية تنموية متنوعة، تخدم أبناءَنا وتُعيد إليهم بعضا مِمّا فقدوا، وذلك بقدر ما تسمح به إجراءات الحَجْر الوقائية المعمول بها، علما بأنّ الإعتداءات التخريبية قد أصابت العديد من أبنيتنا السكنية ومنشآتنا الخدمية وعطّلت مؤسساتنا التعليمية، كما أنّ الامتداد الطويل لفترة الحرب قد عطل بشكل واضح تقدّمنا في تنفيذ بعضها وأخّر أعمال الترميم وإعادة بناء بعضها الآخر.

بعد مسحٍ للواقع الذي نحن فيه اليوم، وتقدير احتياجات مجتمعنا الضرورية والأكثر إلحاحاً، فقد اتّخذت الأبرشية قراراً بالعمل على ثلاثة محاور خدمية: التعليم، والإسكان  وعودة النازحين إلى بيوتهم،  فضلاً  عن الاستمرار في أعمال الإغاثة وفق الظروف والحاجات الطارئة. 

وعليه فقد انطلقت، والحمد لله، عملية ترميم وإصلاح مدرستنا الكبرى في ضاحية الأسد بعد طول انتظار،ونأمل أن يتمّ انتقال طلاب الأمل إليها عاجلا برعايته تعالى. كما أنّ الأبرشية تسعى جاهدة إلى تأهيل معاهدها المهنية وتطويرها،لكي تحاكي في أدائها التعليمي مثيلاتها في البلدان المتقدمة، فتساهم بشكل فعال في نهوض الوطن وازدهاره.

وإننا نرى اليوم، والبهجة تملأ قلوبنا، العمل يمضي، على قدم وساق وبوتيرة عالية، في تنفيذ مشروع الجلاء السكني، والذي ينتظره بفارغ الصبر عدد كبير من أبنائنا المُقدِمين على الزواج. علما بأنّ القائمين عليه التزموا بإتمامه في مطلع العام المقبل لنضع تحت تصرف شبيبتنا قرابة مئة شقة سكنية يأوون إليها والتي من شأنها تيسير أمورهم في تأسيس عائلات فاضلة، ينعمون في رحابها بالهناء والسعادة.

وأخيراً لا آخراً، نحن نتابع العمل في حي جبل السيدة لإصلاح المنازل المتضررة وتأهيلها لاستقبال العائلات التي نزحت من هذه المنطقة المنكوبة، جراء ويلات الحرب واعتداءات الإرهابيين، علماً بأنّ عدد الشقق التي تم تجهيزها للسكن حتى الآن قرابة الثمانين، وقد قمنا بتقديم الفرش المناسب لستين أسرة ممن نُهِب أثاث بيوتها أثناء الحرب. وأملنا كبير بأن نتابع العمل بوتيرة عالية، لكي يعود هذا الحي الجميل المبارك إلى سابق عهده في أقرب وقت ممكن، بِهمّة العاملين وعناية آمنا العذراء شفيعة كنيسته.

أملنا أن يحفظ الرب سورية الحبيبة من عدوان الأجانب الطامعين ووباء الإرهابيين الحاقدين، ونرجو الله أن يحمي أبناءنا من عدوى فيروس كورونا الخبيث، ويُنعِم علينا بالصحة  والأمان في رحاب هذا البلد الحبيب، كي نرتاح إلى أمنه، فنسعد في أجوائه ونَنَشط “لنبني و نستمر” فيه مواطنين محترمين،أعزاء وأكارم.

حلب في ٢٤ نيسان ٢٠٢٠                                                      +المطران يوحنا جنبرت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى