في الصبر الفلاح والنجاح
أتوجه إليكم اليوم يا أيها الأبناء الأعزاء، لأقول لكم إنني أرى ما يعاني منه عدد كبير منكم في هذه الأيام العصيبة والخانقة غير المسبوقة، التي أنزلت على بلادنا الحبيبة الويلات جراء الحرب الظالمة التي أفقدتنا الكثير مما كان لنا أولا، وجرّاء ما يصيبنا حاليا من بَليّة وأذى نتيجة العقوبات غير المشروعة المتتالية التي يفرضونها علينا ظلما وبهتانا وعن غير وجه حق، وقد توّجوها مؤخراً بما أطلقوا عليه تسمية “قانون قيصر” الذي لا قيمة قانونية له كما ولا تسمح به بشكل من الأشكال، لا الأعراف الدولية المعمول بها ولا شرعة حقوق الإنسان، كما أنَّ هذا الإجراء الأرعن لا يُنتِج أية فائدة إغاثية تبرّره، ولا يتمتع بأي صفة مجتمعية يمكن أن تجعل منه عملاً صالحاً مَرْضيّاً عند الله ومقبولاً عند بني البشر.
أمام هذه البلية الواقعة علينا، أدعو الجميع إلى التحصّن بالإيمان وإلى العودة إلى الرب يسوع الذي وعد بأن يبقى معنا ولا يتركنا وحدنا يتامى، مُعِّولين على محبته غير المحدودة ومُجددين رجاءنا بمعونته، وهو يُنزِلُها على اللاجئين إلى رحمته ويغدقها سخيةٌ على اللائذين بعطفه. وَلنتوجه إليه بصلاة حارة، ملتمسين السلام والأمان لوطننا الغالي وطالبين نجاح الصادقين من أصحاب القرارِ في تأدية مهامهم الخطيرة، ومتمنين التوفيق للمسؤولين المخلصين في إدارتهم لشؤون البلاد، داعين لهم بالنجاح في مواجهتهم لهذه الهجمة الشرسة وبالقدرة على تخطي عقباتها وإزالة عوائقها وتخفيف ارتدادات عواقبها الوخيمة والمُنغِصّة لعيش المواطنين الصالحين الصابرين.
لا شك أنّ الأيام المُقبِلة سوف تُنزل علينا مزيداً من الحرمان والتضحيات، كما أنّ غلاء المعيشة سيُثقِل كاهل ذوي الدخل المحدود من العمال والموظفين، غير أنَّ هذه المحنَة لن تطول، لاسيما وأنَّ عدداً لا يُستهان به من دول العالم، وفي طليعتها الفاتيكان، استهجنت الأمر وأخذت تعارض تنفيذه علانية، مشيرةً إلى ما يُلحِقه بشعبنا الطيب من اضطهاد وظلم وأذى، بعد حرب طويلة شُنِّتْ عليه لترهقه، وفي زمن خطير دقيق يعاني فيه الناس من جائحة صحية قتّالة لم يسبق لها من مثيل. ونحن إذ ننادي بطول الأناة والصبر، نبادر في الوقت عينه إلى الاتكال على الله الرحمن الرحيم، نصير المظلومين وحامي المؤمنين، وندعو الجميع إلى الثقة بالقدرة الإلهية والتحلّي بالإيمان والتذرّع بالرجاء الذي فيه النصر على الشر والفرج والخلاص.
ونظراً لما يحدث حاليا في البلاد، وأمام الضائقة المعيشية التي يعاني منها أبناؤنا، فقد اتخذنا قراراً بالعودة إلى تكثيف عملنا الإغاثي، آملين التمكنَّ من مساعدة المحتاجين من ذوي الدخل المحدود على اجتياز هذه المحنة القاسية بما يتيسر لنا من إمكانات نستطيع أن نقدمها لمستحقيها. ونأمل أن نعود عاجلاً إلى العمل على دعم عائلاتنا العزيزة في مجال المؤونة الغذائية والأقساط المدرسية والطبابة والسكن والتحصيل الجامعي وغيرها من ضروريات الحياة اليومية. كما أننا لن نتأخر، أنا وكهنة الأبرشية المحترمين، عن القيام بواجباتنا في مرافقة مسار رعايانا، في هذه الظروف الصعبة، إنْ بحضورنا إلى جانبهم أو بالسعي إلى خدمتهم رَعائياً وروحياً على الشكل الأمثل. ونحن إذ نتمنى للجميع النجاة من عدوى جائحة كورونا، ندعو لوطننا العزيز بالنهضة واستعادة القوة والعافية ولإخوتنا السوريين السلام والصحة وطيب العيش والأمان، وَلْننتصِبْ مردّدين معا كل يوم مقولة الثقة في المستقبل والتفاؤل: “في الصبر الفلاح والنجاح”.
حلب في 26 حزيران 2020 + المطران يوحنا جنبرت