كلمة الراعي

كلمة راعي الأبرشية في حفل اليوبيل الفضي لسيامته الأسقفيّة

كلمة راعي الأبرشية المطران يوحنّا جنبرت في الحفل الموسيقي الرائع الذي أقيم لمناسبة اليوبيل الفضي ال 25 على سيامته الأسقفيّة مطراناً على أبرشية حلب للروم الملكيين الكاثوليك


أصحاب الغبطة الجزيلي الوقار، معالي السيد الوزير الأستاذ رامي مارتيني الأفخم، سعادة محافظ حلب السيد محمد حسين دياب المحترم، السيد احمد منصور الاكرم، اصحاب السماحة والسيادة الأجلاّء، مدراء المؤسسات الرسمية و السادة أعضاء مجلس الشعب الأفاضل، سيداتي وسادتي ويا ايها الأبناء الأعزاء،  

لا يسعني في هذا الإحتفال الجميل، الذي شاء أبناؤنا أن ينظموه مشكورين، لمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لارتقائي السدة الأسقفية ًو الذي كان في بدء خدمتي الرعائية لهذه الأبرشية الحلبية العزيزة، إلّا أن أرفع أولا، آيات الحمد لله عزَّ وجلّ على وفرة رحمته وسخاء عطاياه، وهو الذي حفظنا بعطف عنايته و يسر أمورنا في المراحل الحرجة الأخيرة من حياتنا، بشكل متواصل ويوما بعد يوم. كما انني أقف اليوم لأشكر كل الكهنة و الإكليركيين الأفاضل والمعاونين الكثر و الأصدقاء بمختلف انتماءاتهم، الذين واكبوني ومدوا لي يد المساعدة ودعموني في مسيرة حياتي الرسولية في هذه المدينة العريقة، فلولاهم لما استطعت أن أنجز شيئا يذكر مما أنجزت، ولا أن أحقق مقاصدي في الخدمة والعطاء لأبناء حلب الحبيبة.

أذكر أنني قلت في خطابي الرسمي، إذ توجهت إلى أبناء حلب، يوم سيامتي الأسقفية في حريصا: ” ها اني أعاهدكم أن أنطلق منذ الآن بمشروع شخصي هام لخدمتكم، مشروعي لكم، كبير جداً، حجمه حجم الطاقات الكامنة في قلبي، وبعده يتسع ليطال كل بيت وكل اسرة وكل طفل في أبرشيتي. مشروعي هذا هو “ذاتي” أقدمها لخدمتكم و لخدمة مصالحكم دون حساب، وهو “قلبي” أفتحه لمحبتكم دون وجل وهو “ذهني” أكرسه لقضاياكم دون تردد أو كلل”.

واليوم، وبعد مضي ربع قرن على استلامي مهامي الأسقفية، عندما ألتفت إلى الوراء لأنظر وأقيّم مجريات حياتي في هذه الحقبة القاسية من الزمن، أرفع آيات الشكر لله الذي لم يتركني وحدي وساعدني على البقاء على العهد الذي قطعته لأبناء الأبرشية، يوم سيامتي في حريصا. وعدتهم بأن أحبهم من كل قلبي، وقد فعلت والتزمت بأن أقدم ذاتي لأكون خادما لهم بما منحني الله من مهارات وبكل ما أوتيت من طاقات، والحمد لله أنني فعلت الى حد كبير وبقدر ما استطعت إلى ذلك سبيلا.

والله اعلم بما عانيت من صعاب جسام ومن نزوحات إضطرارية متكررة، احتملت أوزارها من أجل الصمود للبقاء في مدينتنا المنكوبة، , وأنتم يا ايها الإخوة الأعزّاء على علم بما واجهته مسيرتنا من عقبات كئداء في هذه المرحلة المعقدة و القاسية من تاريخ بلادنا.

لقد قمت قبل اندلاع الحرب و خلال المرحلة الاولى من ولايتي، متعاونا مع من حولي من مساعدين مخلصين قديرين ومحسنين، بتنفيذ مشاريع تنموية متعددة، منها الروحية والتربوية ومنها الإقتصادية والإنشائية، ومنها الإجتماعية والإعلامية، إلا أنّ الحرب اللعينة أتت في السنوات الاخيرة لتخرب جلّ ما كنا قد بنينا بتعب وعناء بالغ وتضحيات كبيرة وتكاليف باهظة. ورغم ذلك فإن فرحاً وعزاء كبيرين يملآن قلبي عندما أتذكر كل ما كان قد تحقق في تلك المرحلة التأسيسية، غصباً عن كلّ الصعاب و المنغصات التي اعترضت سبيلي في تلك الفترة الآمنة من ولايتي و التي كانت هي ايضاً مزروعة بتحدياتها الخاصة.

أما الآن وقد انتهت الحرب وولّت إلى غير رجعة بعناية الخالق، فأنا أفرح إذ أرى ربيعا حقيقيا مقبلا إلينا، ليلفحنا بنسيمه العليل، وليعطّر أجواء حياتنا بشذى أزهاره وصدق المؤمنين المحبين وطيب أخلاق المواطنين. وأنا أفرح أيضاً عندما أرى أننا استطعنا، بعون الله والمحسنين، أن نبني مرة ثانية قسما كبيرا مما كنا قد بنينا سابقا وقد خربته الحرب، فضلا عن مشاريع خدمية جديدة وأنشطة إغاثية متنوعة تمكننا من القيام بها تلبية لإحتياجات المواطنين المعيشية الآنية الملحة. صحيح القول أننا بنينا عددا من مدارسنا ومقرات إقامتنا ومنشآت مؤسساتنا مرتين، مرة قبل الحرب ومرة بعدها، غير أن مااستطعنا إنجازه من اعمال إعادة بناء واستصلاح في هذه الفترة الوجيزة، يضع في قلوبنا أملا كبيرا بأن نهضة بلادنا قريبة، وأنها واعدة لكل من يتكل على الله، ولكل من ينهض للسعي والعمل على بناء وطننا وهو يصبو إلى التقدم والحداثة مع إشراقة هذا العهد الجديد، الذي ننتظره بفروغ الصبر، ونتمناه مريحا ورحبا يستوعب الجميع، برعاية رئيسنا الصامد والمحب لبلاده، أبي العطاء، الدكتور بشار حافظ الأسد.

وأنا إذ أشكر السادة الحضور، رسميين و مدنيين، على تلبيتهم الدعوة إلى هذا الإحتفال الذي شاء آباء و أبناء الابرشية أن يقيموه في الذكرى الخامسة والعشرين لإستلامي زمام شؤون الطائفة في حلب، أشعر بغبطة وقلبي مفعم بالفرح إذ أرى عددا كبيرا من مؤسساتنا قد تعاونت مع الاستاذ شادي نجار في إنجاز هذه الفعالية الجميلة. ومع شكري الجزيل لجوقة القديسة تريزيا والاوركسترا المرافقة لها على أدائها المميز، لا يمكنني أن أسهو عن شكر مجموعة كشاف القديس جاورجيوس ومعهد “دار باسيل للعلوم السياحية ” و مدرسة “العناية” و”منتدى المرأة الحلبية” و”دار النهضة للموسيقى” وحركة “الشبيبة الطالبة المسيحية ً”و مرشدي هذه المؤسسات والجمعيات الذين ساهموا بشكل أو بآخر لإنجاح هذا العمل الفني إكراما لي في هذا اليوم المبارك. فشكرا لهم وألف شكر على هذه المكرمة التي ملأت قلبي فرحا وسرورا.

بارك الله اجيالنا الصاعدة في هذا الوطن العزيز، وكتب لها التوفيق والنجاح، وأطال عمركم و حفظكم يا أيها الأحباء جميعا بنعمته دائماً وكل يوم، أحرارا سالمين ومكرمين.

حلب في ١٩ أيار ٢٠٢١

+ المطران يوحنا جنبرت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى