كلمة الراعي

كنيسة البشر وكنيسة الحجر

 سمعنا في الآونة الأخيرة أنّ بعضهم ينتقضُ الطائفة قائلاً:” إِنها تهتم بالحجر ولا تهتم بالبشر”، وهذا قد يبدو صحيحاً فيما لو بنينا هذا المقال على ما يبدو لِلْعَيان ظاهريا، لا سيما أنّ الطائفة تسعى جاهدةً إلى إعادة بناء ما تهّدم،  وترميم ما تضرر جرّاء هذه الحرب العدائية اللعينة التي خربت  بيوت أبنائها، وألحقت بأضرار كبيرة عدداً لا يُستهان به من كنائِسها، وعطلت معظم مرافقها الحيوية. والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام هو : ” لمصلحة مَن تقوم الطائفة بهذه الأعمال الإنشائية المُضْنية والُمَكلِّفة جهودا حثيثة، و كَمّاً كبيراً من المال، وجَمّاً من العَناء و التعب”.

لا مجال للشك أنّ الكنائس تشاد لمجد الله وخدمة المُصلِّين. وفي نظر المؤمن، تأتي الصلاة في طليعة الفضائل التي يمتاز بها الإنسان، وكلما هّيأنا له مكانَ صلاةٍ لائقاً، ساعَدْناه على العودة إلى ذاته بحضرة الله، وساعدناه على تنمية عناصر إنسانيته السامية. فلا عجب إذاً عندما نرى الطائفة تسعى جاهدة إلى بناء الحجر الذي فيه خير البشر. وهل يخفى على أحد أنَّ المرافق الخِدَمية على أنواعها والمدارس وملحقات الكنائس الرعوية قد أنشئتِ خصّيصاً لخدمة الناس صِغاراً وكباراً، شبّانا وشيبا. كما أنّ الحرب التي حرمتهم الكثير مِمّا كان يُروِّح عن أنفسهم، جعلت العديد من المرافق والصالات الرعوية ضرورة إجتماعية حيويّة، ذات أهمية بالغة في الظروف الراهنة، وهي تأتي  بفائدة كبيرة للمؤمنين كونها تَلمُّ شملهم وتجمعهم في أرجاء منشآتها على الرُحبِ والسعة، بأريحية كبيرة وإكرام.

وهل يخطر على بال أحد، ولو للحظة واحدة، أن تكون المشاريع التي تنفذها الطائفة للسَكَن الشبابي هي بعيدة عن  خدمة البشر؟ أو أنَ تكبَّدها المصاريفَ الكبيرة لترميمِ المنازلِ المُتضرّرة وإعادة تأهيلها للسكن هو عمل تقوم به لغير البشر؟ كم من أسرة جديدة نشأت معتمدة على الدعم السَكَني الذي قدّمته لها الكنيسة، وكم من أبنائنا الشبّان المُقْدِمين على الزواج يتطلعون إلى المشاريع السَكَنية التي نُعِدَّها لهم وقلوبهم مفعمة بالرجاء، بعد أن أُحبِطت آمالهم بالتأهل السنين الطِوال؟ نعم لولا احتياجات أبنائها وضرورة مساعدتهم على تخطي العائق الأكبر الذي يقف أمام مستقبلهم، لما أقدمت الطائفة على الاهتمام ببناء الحجر، ولما أرهقت ذاتها بتكاليف باهظة وعناء كبير مستنفَذة أموالها وممتلكاتها للقيام بهذا الواجب.

والكنيسة في كل الأحوال، هي أقربَ من يكون إلى الشعب، وأوّل من يَلْحظ ويرى آلامه ومعاناته ولاسّيما في الظروف القاسية التي يمر بها وطننا العزيز، وهي تسعى اليوم جاهدة إلى مَدّ يد المساعدة للمحتاجين من أبنائها بهدف التخفيف، قدر الإمكان وفي شتى المجالات، عن كاهِل الأهالي ودعم الذين ليس لهم مصدر رزق أو مُعيل. ومن الملاحظ أنّ كنيستنا لم تقصِّر قطعا في هذا المجال، حيث أنها قدمت في الآونة الأخيرة  بسخاء لآلاف الأُسَر مساعدات متعددة الأوجه وُفي شتّى المجالات،  تشمل مُختلِف مناحي حياتهم، منها الدوائية والإسْتشفائية ومنها الدراسية والتعليمية، ومنها الغذائية والتموينية، ومنها الأُسَرية، ومنها السكنية، ومنها المساعدات للعودة إلى الوطن، ومنها إعادة تأهيل المشاغل المهنية والمخازن التجارية، وأخيرا لا آخِراً فهي قد دعمت الحركات الرسولية وحفلات الرعايا الترفيهية والرحلات الشبيبية التي فيها فائدة معنوية وخير نفسي وصِحّي كبيرين للناشئين من أبنائنا. 

ولربما بعضُكم لا يعلم أنّ الطائفة تقدم شهرياً ألف سلّة غذائية للأكثر احتياجاً من أبنائها، أو أنها تدفع أقساط سائر الطلاب المسيحيين في مدارسها، أو أنها تقدم دعما ماليا كلّ شهر لعدد لا يستهان به من المستفيدين، يفوق الألف، غالبيتهم من الأسر المتعثِّرة  معيشيا والأرامل والشيوخ، وهي تقدم بانتظام إقساطا شهرية لأهالي الأطفال الذين هم دون السادسة من العمر. والكل يعلم أن حركة “نبني ونستمر” لم تتوانى، خلال السنوات القليلة الماضية، عن دعم عدد كبير من المشاريع الصغيرة تيسيراً لأمور عدد من الراغبين بالعمل للعيش من عرق جبينهم. وهل يخفى على أحد ما يقوم به كهنة  الطائفة ومعهم راعي الأبرشية يوميا من أنشطة رعوية واحتفالات طقسية، وما يقدّمونه من خدمات روحية لأبناء رعاياهم وسائر المؤمنين في مختلف أرجاء المدينة، أو قد يغيب عن ذهن البعض أن رياضات روحية تقام دوريا للرعايا ومحاضرات وإرشادات متعددة تُلقى يوميا على مسامع الناس في كل مكان، كما أنَّ مقالاتٍ ومنشورات لا تُحصى تُوَّزع عليهم ليقرؤوها، نصحاً لهم ولأبنائهم وحفاظا على سلامة إيمانهم وحرصا على قُرْباهم من المسيح حبيبنا ومخلصنا، سيد الكائنات، معنى وجود البشر وصائن حياة المؤمنين.

نعم الكنيسة كلها للبشر، لخيرهم  سعت في ما مضى، وهي ما زالت تسعى اليوم في سبيل عزتهم، عاملة ما بوسعها لبناء الحجر الذي فيه الفائدة للبشر والخير لهم، فضلا عن الطمأنينة للاستقرار المستدام في هذا البلد العزيز، مثوى الأجداد الاكارم  وموطن الأحفاد الغوالي.

حلب في ١٠ تموز٢٠٢١                                                      + المطران يوحنا جنبرت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى