لا تخافوا
هذا ما كان يقوله لنا المسيح يسوع، سيدنا القدير ومعلمنا ناقل كلمة الله إلى كل واحد من بني البشر. وهذا ما ردّده بعده تلاميذه والرسل الأطهار ورعاة شعبه الحبيب منذ نشأة الكنيسة وحتى اليوم. لقد سمعنا مؤخراً العديد من الرعاة الكنسيين، يردّدون قائلين لرعاياهم: ثقوا لا تخافوا. كما أنّنا شهدنا البابا القديس يوحنا بولس الثاني الذي زار سورية العام ٢٠٠١ ينادي شبيبتنا وشبان العالم بأسْره إلى العزم والاتكال على الله عز وجل، وإلى الثقة بقدراتهم الفتية الفاعلة قائلا لهم : لا تخافوا يا شباب، المستقبل لكم إن أنتم عقدتم العزم وانطلقتم متكِّلين على عون الله وواثقين برعايته للذين يتكّلون عليه. ونحن أيضاً اليوم، وفي هذه الظروف الصعبة القاسية التي تمر فيها رعايانا، نقول لأبنائنا: لا تخافوا ونكرر المقولة التي كان يتداولها أجدادنا في ما بينهم أيام الصعوبات والمحن “المسيح معنا فقفوا” واثقين بأنه لا يتركنا أيتاماً كما سبق ووعد.
لا شك، يا أيُّها الأبناء الأعزاء أنّ هذه الأيام التي نمر بها، قاسية علينا وعلى أبنائنا، فالخراب الذي أصاب ممتلكاتنا، جراء الحرب الظالمة التي عكّرت صفاء حياتنا، والضائقة المالية التي خلّفتها الأحداث علاوة على العقوبات غير المسبوقة التي فرضتها علينا الدول، ظلماً وبهتانا، كلها أصابت رتابة عيشنا وجعلت الكثيرين يعانون من القلة والفاقة ونقص كبير في احتياجاتهم المعيشية. ولا حاجة بنا أن نعدّد في هذا المقام أصناف الاحتياجات التي تنقصنا لكي تستوي أوضاعنا ونرتاح في حياتنا. وفي مطلق الأحوال، نستطيع أن نجزم و نقول إنّ ما نعاني منه اليوم لم يسبق له مثيل في ماضينا البعيد أو القريب ولا في أصعب أيام حياتنا.
وعلى كل حال، والحمد لله، أنَّ هذه الظروف الصعبة غير المسبوقة، هي غير اعتيادية مؤقتة وعابرة ولا بد أن تتبدل. ونحن على يقين من أن أصحاب القرار في الوطن وفي العالم يدركون المعاناة التي تؤلم الشعب وتحرم الأطفال من حليبَهم والبالغين من قوتهم والشيوخ من دوائهم، وهم شاؤا ام أَبَوا لا يستطيعون الاستمرار في التعامي عّما يجري عندنا، ولربما بعضهم بدأ يعيد النظر في منهجية العقوبات والسياسات التجويعية غير الأخلاقية التي كان ينتهجها ظلما وبهتانا حتى اليوم. وأنَّ ما نراه من إنفراجات غير مسبوقة في المنطقة ولاسيما في لبنان والعراق وغيرها من البلاد، من شأنه أنّ يضع في قلوبنا آمالا بغدٍ أفضل، يُسهِّل عيشنا وينقلنا من شقاء الفاقة والعَوَز إلى هناء اليُسر والكفاية. فَلْندعو الرب العطوف، ملتمسين منه العون وشفاء بصيرة المعتدين وتوعية الظالمين والحد من غَيّهم وأذيَّتهم.
وبانتظار عودة المياه إلى مجاريها في البلاد، وخلاف ما يقوله البعض، فإن كنيستنا لم تترككم في ما مضى من الأيام وهي، كما ترون و تعاينون، لا تهمل أحداً منكم اليوم، وهي بدون أدنى شك لن تتخلّى عنكم في الآتي من الأيام. لقد قدّمت، وبشكل منتظم في السنوات القليلة الماضية للمؤمنين المحتاجين إلى سند معونتها، كَمّاً مُعتبراً من العطاءات. وترانا في الظروف الراهنة، واقفين اليوم أيضاً، بعزم وبقدر ما نستطيع، إلى جانب أبنائنا في مواجهة المحنة. ونحن لن نتوقف عن مد يد العون للمؤمنين الذين صمدوا وآثروا البقاء في ديارهم وأرض آبائهم على النزوح إلى أراض غريبة، ليس لهم فيها لا أصل ولا فصل. نحن نعاين معاناتهم ونستشعر أوجاعهم، ولذلك عقدنا العزم على مضاعفة الجهود في مساهماتنا وعلى أشكالها المتعددة، للتخفيف من وطأة غلاء المعيشة الحالي وغير المسبوق على حياتهم اليومية. سوف نجعل مساعداتنا الغذائية تأتيهم بشكل أوفر ومنتظم، كما أنّنا قررنا أن نستمر في تأمين الدعم الدراسي لطلابنا كبارا وصغارا، وتأمين الدواء والعلاج الإستشفائي لمرضانا وتيسير السكن المريح للمقدمين على الزواج من أبنائنا، وأخيرا لا آخراً فقد اتخذنا قراراً بتطوير دعمنا للمشاريع الصغيرة المجدية.
هذا وفي مطلق الأحوال، إنّنا على ثقة تامة بأنّ الأزمة على زوال وأنَّ الفَرَج بات والحمد لله قريبا، وهو على الأبواب، فلا تخافوا لأن أمُّنا العذراء ترى معاناتنا ووليدها سيدنا يسوع المسيح رحيم قدير.
+المطران يوحنا جنبرت