نحن اليوم، على عتبة السنة العاشرة لهذه الحرب اللعينة التي تسببت في موت مئات آلاف المواطنين، ونكّدت عيش الملايين من الناس وجعلتهم من العاطلين عن العمل أو من المهددين بويلات القذائف، أو بالخَطْف المهين، وأرغمتهم على النزوح عن مدنهم وأماكن سكنهم، فهاجر العديدون وبينهم فوج كبير من أبنائنا المسيحيين، الذين غادروا عُنْوةً ومجبرين، جّراء ما أصابهم من نوائب ومحن وخوفاً من إرهاب المعتدين.
إن هذه الحرب البربرية الظالمة، تشبه بوحشيتها إلى حد كبير اجتياحات البرابرة ولربما تتعّداها في عنفها ومظالمها واتساع رقعة دمارها. فهي أرهبت السوريين في كل مكان معتدية على أعراضهم وممتلكاتهم وحياة أولادهم، فأدخلت الحزن والأسى إلى أُسَرِهم، وأصابت قلوبهم بجروح آلمتهم ثم أذلتهم وأفقرتهم بعد أن كانوا أعزاء وميسورين. لقد أصابتنا هذه المحنة، نحن ًورعايانا كما أصابت الوطن في كل مفاصله، فهدمت بيوتنا وكنائسنا وخرّبت مصانع أبنائنا ومصالحهم، وقطعت أرزاقهم وحرمتهم من نِتاج كدّهم وعملهم ومن محاصيل حقولهم وأراضيهم، فأوصلت العديدين منهم إلى العَوز والفاقة.
الحمد لله، الذي لا يُحمد على مكروه سواه، إنّ ما جرى عندنا وانقضى، روّضنا على الصبر وعلّمنا الاحتمال، وذكّرنا بأنه هو وحده، سبحانه وتعالى، العادل والرحمن الرؤوف، وهو المعين. انه من الواضح اليوم، أنّ العنف والقتل والإرهاب إلى زوال وأنّ بشائِر سلام آتٍ، تلوح في الأفق، كما أنَّ شتاءَنا القارص والمعتم أوشك أن ينّتهي ليعِدنا بربيع دافئ، وإن شاء الله، سوف يعتلن قريباً، مزهراً ومريحاً للجميع. ولكن وللأسف الشديد، عادت في الآونة الأخيرة يد الظلم لتفرض على شعبنا عقوبات مرهقة لا سابق لها، تؤلمه وتعيق استعادته لصحته البدنية والمعنوية واستقراره وأمان عيشه. فتراه اليوم يعاني من تضخّم مالي غير مسبوق وغلاء في معيشته ونقص في غذائه وشُحٍّ في دوائه، وكأنه لم يذق بما فيه الكفاية طعم المذلة والحرمان.
أمام هذا الذي يصيب أبناءنا من فاقة وهوان، نتوجّه إلى طفل المغارة مستجدين عطفه ورضاه، ومنتظرين من عظيم رحمته السلام لبلادنا والأمان، واثقين من حنان محبته وسلطان عدله، واعين لسعة سخائه على الذين يلجؤون إليه مستعطفين حنانه أو طالبين حمايته من الأشرار والظالمين، مؤمنين بقدرته الفائقة وعنايته بكل مظلوم وفقير. وليكن هذا العيد فاتحة لسنة جديدة مباركة، تجد فيها بلادنا بحضوره السلام وينال فيها الناس بنعمته شيئا من اليُسر والاطمئنان.
ونحن إذ نتطلع إلى عيد الميلاد السعيد، عيد الرفق والفرح والمروءات، نشعر وكأنّ الرب ينادينا، داعياً إيِانا إلى بذل ما أمكن من الجهود لرسم البسمة على وجوه مَن هم حولنا من الناس، فلْنبادر إذاً لنعمل، كلٌّ وفق طاقته، على مدّ يد المساعدة إلى المحتاجين، وزرع بذور البهجة في حنايا قلوبهم. إننا عندما نذكّر أبناءنا بذلك، نرى أنه يتوّجب علينا نحن أيضاً تقديم ما تيسّر لمساندة رعايانا في هذه الظروف القاسية والصعبة التي تمر بها بلادنا. ومع إطلالة العيد المبارك، لا يسعنا إلا أن نشكر الرب الحنون يسوع، الذي يأتي إلينا حاملاً معه وعلى عادته كمّاً مباركاً من الخير، لنوزّعه على أحبائه وفقاً لضرورات حياتهم الحاضرة. ونحن بعون الله وعنايته تعالى نستطيع أن نقّدم للمحتاجين من أبنائنا في هذا العام، كمّاً مقبولاً من المواد الغذائية لعيالهم وجزءاً كبيراً من مصاريف أولادهم الدراسية، وقسطاً معتبراً من تكاليف استشفاء مرضاهم، وعدداً معقولاً من الشقق السكنية لشبانهم، ومساندة مشجعة لأسرهم الناشئة وهدايا رمزية تفرح قلوب أطفالهم؛ فيسعدوا منشدين هم أيضاً مع الملائكة والرعاة: “المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة”.
وكل عام وأنتم بخير يا أيُّها الأبناء الأحباء.
حلب في 20 كانون الأول 2020
+المطران يوحنا جنبرت