نشرة الأحد 23 أيار 2021 – العدد 21
الأحد 23 أيار 2021 – العدد 21 – أحد العنصرة العظيم المقدس
كانت العنصرة في العهد القديم عيداً للحصاد، ذا طابع عائلي مرموق، ويوبيلاً سنويّاً تترتب عليه نتائج اجتماعية هامة، وتذكاراً لإعلان الشريعة على جبل سيناء.
عُرف العيد باسم “عيد الأسابيع” لأنّه يقع بعد خمسين يوماً من عيد الفصح، ولذلك دُعي بعيد “الخمسين”. وكان عيداًُ قرويّاً يقدّم فيه باكورة الحصاد إلى الهيكل، ويشتركون مع أفراد عائلاتهم بوليمة دينيّة تختم احتفالات عيد الفصح.
إنهم ينطقون بألسنتنا بعظائم الله أعمال 1/11 |
وكان يوبيلاً سنويّاً، يذكّر بواجبات سنة اليوبيل التي كانت تقام مرّة كلّ خمسين سنة، وأهمّها إراحة الأرض وعودة الأراضي المباعة إلى أصحابها الأصليّين وتحرير الرقيق وبطلان الديون.
أمّا الكنيسة المقدّسة فتُعيّد في هذا اليوم لذكرى حلول الروح القدس على التلاميذ وهم مجتمعون في العليّة مع مريم. وهو عيد الروح القدس وغزارة مواهبه التي تحلّ على المؤمن التائب المتواضع فتؤهّله لأن يكون مسكناً للثالوث الأقدس، ولذلك في مساء العنصرة نقيم حفلة “إحناء الركب” استعداداً لمواهب الروح القدس. وهو عيد تأسيس الكنيسة ورسالتها في العالم. وهو عيد الوحدة المسيحيّة في اختلاف شعوب الكنيسة وألسنتها ومواهب أبنائها.
صلاة الأنديفونة: أيها الربّ المحبّ البشر، يا من أرسل اليوم نعمة روحِه القدّوس الإلهية على الرسل، إننا نبتهل إليك أن تمنحنا إياها لتُضيء قلوبنا بنور حضوره، فنقدّم لك بأصواتٍ لا تفتُر، ترنيماً مثلّث التقديس، مسبّحين الثالوث القدّوس غير المنقسم، الآب والابن والروح القدس، الآن وكلّ أوان وإلى دهر الداهرين. آمين
+ ترنيمة الدخول: إرتفع يا ربُّ بقوَّتك. نُشيدُ ونرنِّم لجبروتكَ.
خلّصنا أَيُّها الُمعزي الصَّالح. نحن المرنِّمينَ لكَ هلليلويا.
الطروباريات :
1- طروبارية عيد العنصرة (اللحن الثامن): مباركٌ أنتَ أيّها المسيح إلهنا،الذي أظهر الصيّادينَ جزيلي الحكمة، وأنزلَ عليهم الروحَ القدس، وبهم اصطاد المسكونة، يا محبّ البشر المجدُ لك. (ثلاثاً)
2- قنداق الختام (اللحن الرابع): لمّا نزل العليّ وبلبل الألسن قسّم الأمم. وحين وزّع الألسن الناريّة دعا الجميع إلى الوحدة. فنمجّد الروح القدس باتفاقِ الأصوات.
+ بدل قدّوسٌ الله نرنّم: أنتم الذين بالمسيح اعتمدتم…
+ الرسالة لأحد العنصرة المقدّس : (أعمال 2 : 1-11)
+ الإنجيل لأحد العنصرة المقدّس: (يو 7: 37-52؛ 12:8).
† ابتهالات إنجيلية:
- أيها الآب القدوس، يا من أرسل روحه القدّوس على التلاميذ يوم العنصرة، تعال إلى نفوسنا واجعلها هياكل حيّة لسكنى روحك القدّوس – إليك نطلب يا رب، فاستجب وارحم.
- أيها المسيح الكلمة، أرسلتَ روحك القدّوس على تلاميذك يوم العنصرة وجعلتهم مبشّرين في العالم أجمع. أرسل عليَّ روحك لأشهدَ بمواهب هذه الروح – إليك نطلب يا رب، فاستجب وارحم.
- أيها الروح القدوس المعزّي روح الحقّ، يا من حللتَ على التلاميذ يوم العنصرة، نفتح لك ذواتنا لتحلَّ فيها وتهبنا ثمرة عطاياك، المحبّة والفرح والسلام والصبر وحسن المعاملة والأمانة لتعاليمك الإنجيليّة – إليك نطلب يا رب، فاستجب وارحم.
+ نشيد للعذراء (اللحن السابع):يا والدةَ الإله العذراء. الأُمَّ التي لم تعرِفْ رجلاً. يا خِزانةَ غيرِ الموسوع. ومَسكنَ خالقكِ غيرِ المحدود. لقد حبِلْتِ ولَبثتِ بتولاً. وهيأتِ جَسداً للكلمةِ مُبدعِ الكلّ. فإِيَّاكِ نُعظِّم.
+ نبدل النشيد ” لقد نظرنا…” بنشيد العيد ” مباركٌ أنتَ…”
ملاحظة: نعود إلى تلاوة ” أيُّها الملك السماوي…” في بداية الليترجيا الإلهية اعتباراً من يوم غداً الاثنين ” اثنين العنصرة”.
رزنامة الأسبوع
+ الاثنين 24 أيار: أثنين العنصرة أو أثنين الروح القدس، تذكار أبينا البارّ سمعان الذي من الجبل العجيب.
+ الثلاثاء 25 أيار: الثلاثاء بعد العنصرة وتذكار ظهور هامة النبيّ الكريم يوحنّا المعمدان المكرّمة للمرّة الثالثة.
+ الأربعاء 26 أيار: الأربعاء بعد العنصرة، تذكار القدّيس الرسول كربوس أحد السبعين.
+ الخميس 27 أيار: الخميس يعد العنصرة، وتذكار القدّيس الشهيد هلأّذيوس.
+ الجمعة 28 أيار: الجمعة بعد العنصرة، وتذكار القدّيس الشهيد في رؤساء الكهنة إفتيخس أسقف ميليتني.
+ السبت 29 أيار: السبت بعد العنصرة، وداع عيد العنصرة. وتذكار القدّيسة البارّة في الشهيدات ثيوذوسيّا.
﴿ أسلكوا بالروح ﴾
إنّ حلول الروح القدس على التلاميذ الذي نحتفل به كلّ سنة في عيد العنصرة يذكّرنا بسر “الميرون” أو “التثبيت”، الذي يناله المسيحيّ بعد المعموديّة. المعموديّة والميرون هما سرّان مرتبطان أحدهما بالآخر. ففي سرّ المعموديّة يلبس الإنسان المسيح، أي إنّه يحصل على حياة جديدة من خلال اتّحاده بموت المسيح وقيامته، وفي سر الميرون ينال “ختم موهبة الروح القدس”، إي إنّه يحصل على قدرة الروح القدس، ليعمل أعمالاً تتلاءم مع الحياة الجديدة التي نالها بالمعموديّة. فالمعموديّة تجدّد كيان الإنسان، والميرون يجدّد أعماله. ويبقى المسيحيّ طوال حياته ملتزمًا بهذا الارتباط بين حياته الجديدة والأعمال التي ينبغي أن تكون مطابقةً مع تلك الحياة الجديدة. فحياته لا يمكن من بعدُ أن تكون مستعبَدةً لشهوات الجسد. وهذا ما يعنيه بولس الرسول عندما يقول: “اسلكوا بالروح ولا تقضوا شهوةَ الجسد: فإنّ الجسد يشتهي ضدّ الروح، والروحَ ضدّ الجسد؛ فكلاهما يقاوم الآخر حتّى إنّكم لا تصنعون ما تريدون”. ثمّ يُضيف: “وأعمال الجسد بيّنة: الفجور والنجاسة والعَهَر؛ وعبادة الأوثان والسِّحر، والعداوات والخصومات والأطماع؛ والمغاضبات والمنازعات والمُشاقّات والبدع، والمحاسدات والسُّكر والقصوف وما أشبه ذلك. وعنها أقول لكم، كما قلتُ لكم سالفًا: إنّ الذين يفعلون أمثال هذه لا يرثون ملكوت الله”. ثمّ يعدّد ثمار الروح: “أمّا ثمر الروح فهو المحبّة والفرح والسلام؛ وطول الأناة واللطف والصلاح؛ والأمانة والوداعة والعفاف. وأمثال هذه ليس ضدّها ناموس. لأنّ الذين هم للمسيح يسوع صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات”. ويختم قائلاً: “إنْ كنّا نحيا بالروح، فلنسلكنَّ أيضًا بالروح” (غلاطية 16:5-25(.
عندما ننظر إلى حياة معظم المسيحيّين اليوم، لا بدّ لنا من الإقرار بأنّهم يعيشون في تناقضٍ فاضحٍ بين كيانهم المسيحيّ وحياتهم الواقعيّة. وينطبق عليهم ما قاله بولس الرسول عن مختلف “أعمال الجسد”. كما ينطبق عليهم أيضًا ما قاله بولس في زمانه للكورنثيّين: “إنّكم لا تبرحون جسديّين. فإنّه، إذ فيكم حسدٌ وخصومة، ألا تكونون جسديّين، وبحسب البشريّة تسلكون؟” (1 كورنثس 2:3-3).
لقد قيل: إنّ لبنان قد أُنشئ بنوعٍ خاصٍّ للحفاظ على المسيحيّين في المشرق العربيّ. ولكن ما المنفعة من الوجود المسيحيّ إذا كان المسيحيّون لا يعيشون بحسب الروح المسيحيّة، “ولا يزالون، كما يقول بولس الرسول، جسديّين، ممتلئين حسدًا وخصومة” بين بعضهم البعض؟ يُردِّد الكثيرون قول البابا القدّيس يوحنا بولس الثاني: “لبنان ليس مجرَّد وطن، بل هو رسالة مودّةٍ وعيشٍ بسلام بين أديانٍ ومذاهبَ مختلفة”. ولكنّنا نتساءل: أين هي تلك المودّة بين مختلف الطوائف والمذاهب؟ وأين هي المودّة حتى بين أتباع الطائفة الواحدة؟ أين هي المودّة بين مختلف الأحزاب المسيحيّة؟ ما نراه إنّما هو مشهدٌ مؤسفٌ ومُخجِلٌ من البشاعات التي ذكرها بولس الرسول منذ ألفي سنة: من “العداوات والخصومات والأطماع، والمغاضبات والمنازعات والمُشاقّات”. وهذا كلّه إنّما هو نتيجة الانقسامات السياسيّة التي طغتْ على الأخلاق الإنسانيّة وعلى الأخلاق المسيحيّة.
الاختلاف في السياسة أمرٌ مشروع. وهذا الاختلاف يعني رؤيةً مختلفةً حول ما يؤول إلى ازدهار الوطن، على أن يكون هذا الاختلاف موضوع حوارٍ عقلانيٍّ دائمٍ بين رجال دولة لا همّ لهم سوى مصلحة الوطن العليا. أمّا ما نشهده عندنا فهو اختلافٌ بين رجال سياسةٍ على من يتحكّم بمفاصل الوطن ومؤسّسات الدولة من أجل مصالحَ خاصّةٍ ومكاسبَ رخيصة. هذا هو “السلوك بحسب البشريّة” الذي تكلّم عليه بولس الرسول. إنّ الأديان والمذاهب المتنوّعة التي ينتمي إليها اللبنانيّون على اختلاف طوائفهم تأمر كلّها بفعل الخير واجتناب الشرّ. لكنّ الأديان والمذاهب أصبحت عندنا مجرَّد مطيّةٍ لاحتلال المناصب التي تقاسمتها مختلف الطوائف. وسيبقى لبنان دولةً مخلَّعةً ما لم يُطبِّق المسؤولون فيه تعاليم أديانهم ومذاهبهم السامية، رافعين أبصارهم إلى فوق وعائشين تحت نظر الله ينبوع كلّ خير وصلاح.
المطران سليم يسترس – جريدة النهار 22 أيار 2021